خاص - النقار
"القبيلة تتحدى الصهاينة" الوسم الذي ارتأته جماعة أنصار الله (الحوثيين) لحملتها الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي تأتي ترجمة هاشتاغية لما يحدث على الأرض من وقفات قسرية ولقاءات مسلحة في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها. فالقبيلة بحسب قائد الجماعة "هي العمود الفقري للمجتمع اليمني ولها تاريخ عظيم في مواجهة الغزاة والطامعين والمستكبرين والظالمين".
هذا التعريف للقبيلة مستمد بطبيعة الحال من إرث الإمامة الزيدية التي كانت تجد في القبائل العمود الفقري لاستحواذها على السلطة وتلك مسألة ربما أصبحت من بديهيات التاريخ اليمني، حيث يحضر التغني بالقبيلة وتمجيدها إلى حد بعيد. لكن بمجرد أن تصبح مقاليد الأمور بيد الإمامة الزيدية تنقلب الأمور رأسا على عقب ويتفنن كل إمام بإعطاء التوصيف الحقيقي الذي يؤمن به للقبيلي. فهو عندهم مجرد كائن جلف لا يمكن أن تترقى أخلاقه ولا أن تتهذب أفعاله. وبالتالي لا يصلح إلا أن يقاد وأن يمتطى، بينما الحكم والمال والعلم والجاه لأهله.
ولعل في المثل الذي هو أشهر من نار على علم شاهدا على نظرة الإمامة الزيدية للقبيلي: "الحجر من القاع والدم من راس القبيلي"، والأمر نفسه في ما قاله أحمد بن سليمان (أحد الأئمة الزيدية) في إحدى قصائده بأن القبيلي مجرد وقود لا أكثر:
ولأضربنّ قبيلة بقبيلة
ولأملأنّ بيوتهن نواحاً!
أما يحيى حميد الدين فسيفضح أكثر عن تلك النظرة حين يعطي دروسا لكيفية تعامل السلطة الحاكمة مع القبيلي بقوله: "ادكم القبيلي يعرفك". أو: "القبيلي مثل الجُبا (سقف البيت الطيني) لو ما دعسته يوطل"، ومعناه أنه لا بد من جعل ذلك القبيلي تحت قدمك وألا تعطيه أي أهمية أو قيمة، وإلا فإنه سيتمادى. وليس بخاف استعمال الإمامة الزيدية للمثل القائل (جوع كلبك يتبعك) وجعل دلالته متعلقة بتعاملها مع القبيلي على امتداد تاريخها في اليمن.
جماعة أنصار الله لا تبدو بعيدة عن هذا كله، لكنها تريد أن تبدو مغايرة في كونها ليسا بحاجة للقبيلة بقدر ما أن القبيلة نفسها بحاجة إليها، لتوعيتها كيف تدافع عن وطنها في وجه الغزاة ومن تسميهم الصهاينة، متناسية في الوقت نفسه أن كل ما تقوم به من تحشيد للناس وإجبارهم على الخروج في وقفات مسلحة هنا وهناك هو ترجمة حقيقية لإفلاسها في كونها لا دولة ولا حكومة ولا شيئا مما تتحدث عنه في أدبياتها وإنما مجرد سلطة جبائية إقصائية لا تزيد عن ذلك في شيء.
خلاصة القول أن الجماعة تحاول عبر الوسم "القبيلة تتحدى الصهاينة" أن تمنح نفسها شرعية شعبية، بينما الواقع يكشف أن الوسم مجرد غطاء دعائي لإجبار الناس على المشاركة في الوقفات واللقاءات القبلية المساندة لها. وبالتالي هي تعيد إنتاج نفس النظرة الإمامية القديمة للقبيلة، لكن بوسائل حديثة (الوسوم، الحملات الإعلامية، التحشيد عبر منصات التواصل).