• الساعة الآن 10:25 PM
  • 14℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

لوحات الموت في صنعاء: حين تتحول الحياة إلى إعلان جنائزي دائم

news-details

خاص-النقار

في صنعاء، حيث اللوحات أكبر من الأرصفة، والحياة أضيق منها، يمكن أن تعثر على لوحة دعائية ضخمة من مثل هذه: "إذا كنت تكره الموت فحاول أن تجاهد في سبيل الله وأن تقتل في سبيله".
هذه هي الوصفة التي تقدمها جماعة أنصار الله (الحوثيين) لمن يكره الموت. ليس ذلك فحسب، بل إنها شعار رسمي لحملة ممولة رسالتها واضحة: من يكره الموت، عليه أن يذهب إليه طواعية. ومن يخاف النهاية، فليجعلها بداية جديدة: في المقبرة. 
في جولة الحباري بحي الحصبة، تتصدر هذه اللوحة المشهد، ممهورة بتوقيع وزارة الشباب والرياضة، وتحديدا صندوق رعاية النشء والشباب والرياضة. تمويل الحملة، الذي قد يصل إلى ملايين الريالات، يأتي من جهة يُفترض بها أن تكون الأكثر حبا للحياة ونبذا لثقافة الموت. لكن المفارقة هنا صارخة: الوزارة التي يُفترض أن ترعى الأحلام الصغيرة في أقدام الناشئين، قررت أن يكون الحذاء الرياضي نعشا متنقلا، والكرة بندقية بلا صافرة بداية، فالمباراة تبدأ بالرصاص وتنتهي بالتشييع. وحبذا ألا يتم إزعاج سكان المقابر أثناء "التمارين".
النشء والشباب، باعتبارهم أكثر الفئات المجتمعية تعلقا بالحياة، وجدوا أنفسهم أمام مشروع "رعاية" جديد: من يكره الموت، فليُقتل سريعا، فالحياة لم تعد خيارا متاحا.  
أليس الأحرى أن تُسمى الوزارة بـ"وزارة الشباب والموت"؟ وصندوقها بـ"صندوق رعاية النشء والشباب والموت المبكر"؟  
لكن الوزارة والحق يقال ليست وحدها، فثمة جهات كثيرة تتنافس هي الأخرى في تجسيد ثقافة الجماعة التي ترى في الحياة تهمة، وفي الموت بطولة رياضية.
لوحات بالآلاف وكل واحدة أكبر من الأخرى وفي كل شارع وزقاق ومدخل، وبشكل لم يعد ملفتا فحسب، بل مرعبا. وفوق هذا يتم إنفاق المليارات على تلك اللوحات. 
كل زاوية تصرخ: لا تهرب من الموت، فهو أقرب من رغيف الخبز، وأرخص من حلم الحياة.
فجماعة أنصار الله يبدو أنها لا تكتفي بابتلاع الحياة، بل تلوكها أمام أعين شعبها العزيز، وتطلب منه التصفيق. لكنه، رغم كل شيء، يكره الموت ويحب الحياة. وهذا وحده، أصبح جريمة في زمن اللوحات الكبيرة.
كل ثقافة الموت هذه يتم تكريسها يأسا في نفوس اليمنيين، من قبل جماعة تلتهم كل مقومات الحياة.
إنها عملية ممنهجة لصناعة اليأس، وتفريغ الحياة من معناها، وتحويل الشعب إلى وقود لموت لا ينتهي، وكأن الجماعة تهيئ البلد لمهرجان جنائزي دائم.

شارك الخبر: