 
																	
									
									
								                                
خاص-النقار
التصريحات التي أدلى بها رئيس وفد جماعة أنصار الله (الحوثيين) محمد عبد السلام، اليوم، بشأن استعداد جماعته للقبول بـ"حلول عادلة ومنصفة" حول قضية الموظفين الأمميين المعتقلين في سجون الجماعة، تبدو أقرب إلى مناورة تفاوضية منها إلى نية حقيقية للإفراج الفوري عن المعتقلين.
عبد السلام أوضح أنهم التقوا بالمبعوث الأممي إلى اليمن، وبحثوا معه "مسار السلام المتمثل بخارطة الطريق المسلمة للأمم المتحدة والمتفق عليها مع الجانب السعودي برعاية سلطنة عمان"، مشددًا على ضرورة استئناف تنفيذ بنود الخارطة، وفي مقدمتها "الاستحقاقات الإنسانية"، معتبرا أن "لا مبرر للاستمرار في المماطلة".
حتى هذه النقطة، لا جديد يُذكر، فالمواقف المعلنة تعيد إنتاج ما سبق طرحه من الجماعة خلال السنوات الماضية. الجديد في التصريحات هو الإشارة إلى حضور معين شريم، المكلف من الأمين العام للأمم المتحدة بملف المعتقلين من موظفي المنظمات الأممية العاملة في صنعاء، والذين تتهمهم الجماعة بـ"التورط في خلايا تجسس".
وبحسب عبد السلام، فإن الجماعة "أكدت من حيث المبدأ ألا مصلحة لها في احتجاز أي شخص يعمل في المنظمات دون مسوغ، وقدمت ما وصلها من معلومات أمنية"، مستدركا بالقول: "ورغم ما حصل، أكدنا حرصنا على إيجاد حلول عادلة ومنصفة واستمرار التنسيق بما يسمح بمواصلة المنظمات عملها الإنساني والإغاثي".
عبارة "الحلول العادلة والمنصفة" تُستخدم عادة في سياقات تفاوضية لتجنب الإقرار بالخطأ أو الظلم، لكنها هنا تفتح الباب أمام مساومات مشروطة، مثل الحصول على تنازلات سياسية أو إنسانية مقابل الإفراج عن المعتقلين. وهي تعني ضمنا أن الجماعة لا ترى أن الإفراج يجب أن يكون غير مشروط، بل مرتبطا بتفاهمات أوسع.
كما أن استخدام تعبيرات فضفاضة مثل "من حيث المبدأ" و"ما وصلنا من معلومات أمنية" يعكس تراخيا في التعامل مع التهم الموجهة للمعتقلين، والتي تتعلق بـ"التورط في خلايا تجسس". هذا الاتهام يمنح الجماعة غطاء قانونيا داخليا أمام جمهورها، رغم أن الأمم المتحدة تعتبر هذه الاعتقالات تعسفية وتنتهك القانون الدولي الإنساني.
واللافت أن الجماعة سبق أن وجهت اتهامات علنية للمنظمات الأممية في خطابات رسمية، ما يضعف من صدقية الحديث عن "عدم وجود مصلحة في الاحتجاز"، ويعزز فرضية أن الملف يُستخدم كورقة تفاوضية.
أما التأكيد على "استمرار التنسيق" مع المنظمات الإنسانية فيبدو كرسالة موجهة للمجتمع الدولي والجهات المانحة، تهدف إلى طمأنتهم بأن الجماعة لا تعرقل العمل الإنساني. لكن الواقع يشير إلى أن الاعتقالات تعيق فعليا عمل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وقد تكون هذه التصريحات محاولة لتجنب المزيد من العقوبات المفروضة على قيادات وكيانات مالية تابعة للجماعة.
وهنا فإن تصريحات عبد السلام تفتح نافذة تفاوضية مفادها أن الجماعة تحاول تحسين صورتها أمام الأمم المتحدة، وقد تكون مستعدة للإفراج عن البعض ضمن صفقة تبادل أو تفاهمات أوسع. لكن إدراج قضية المعتقلين ضمن ملف السلام يوحي بأن الجماعة تستخدم الملف كورقة تفاوضية ضمن حزمة المطالب، وليس كقضية إنسانية مستقلة.
يُذكر أن عدد الموظفين الأمميين المعتقلين لدى الجماعة يبلغ نحو 59 موظفا، بعضهم معتقلون منذ أكثر من عامين، دون محاكمة أو توجيه تهم رسمية.
وفي ظل استمرار الاعتقالات، تبقى هذه التصريحات أقرب إلى إدارة الأزمة إعلاميا منها إلى حلها فعليا؛ إلا إذا كان لدى الأمم المتحدة ما تفرضه فعليا على الجماعة. والسؤال هو: هل ستنجح الأمم المتحدة في فصل الملف الإنساني عن المسار السياسي، أم أن المعتقلين سيظلون رهن تفاهمات لا تزال بعيدة المنال؟!