خاص - النقار
من الصعب على العربي، الذي أرهقته الهزائم وأغرقته المساومات، أن لا ينتشي حين يرى جماعة مسلّحة تطلق الصواريخ نحو إسرائيل، وتعلن دعمها اللامشروط لفلسطين، كما فعل أنصارالله في حرب غزة.
في لحظة عاطفية، يصبح الهتاف لـ”صنعاء المقاومة” مفهوماً، بل مبررًا، لكن الشيطان لا يكمن في النوايا، بل في التفاصيل، وكل من اقترب من تفاصيل حكم أنصار الله، من تجربتهم كسلطة لا كـ”حركة”، سيتراجع خطوات، مصدومًا من حجم الهوة بين الصوت الخارج من المنبر، والبطش النازل على الناس في الداخل.
نعم، أنصار الله هاجموا إسرائيل، لكنهم في الوقت نفسه يقمعون اليمنيين.. أطلقوا مسيّراتهم عبر البحر الأحمر، واعتقلوا المعلمين والأكاديميين في شوارع صنعاء وإب.. أعلنوا الوقوف مع للقدس، وفرضوا الزكاة على الفقراء، وحولوا الكهرباء والغاز إلى سلعة طبقية لا ينالها الا المترفون.
فلسطين لم تكن سوى القناع الأنيق الذي أُلبس لوجه سلطوي قبيح.. تحت ذاك القناع، يقبع نظام لا يشبه الدولة، بل أقرب إلى مزيج من الجباية العثمانية والوصاية الصفوية.
كل شيء في صنعاء تحت السيطرة، لا بمعناها الأمني، بل الطائفي: المدرسة، تتحول إلى منصة تعبئة.. المسجد، إلى منبر ترويج لتقديس النظام السياسي.. الجامعة بؤرة تصنيف وفرز.. والسوق هدف للغرامات والجبايات، أما الاقتصاد، فقد أصبح حقل صيد مفتوح، لا ضرائب تُبنى عليها خدمات، بل جبايات يبني عليها نظام حكم طائفي وعرقي.
ليست فلسطين هي ما يُدافع عنه هنا، بل مشروع الهيمنة والولاية التي يعزز حضوره بفلسطين ويغيب تماما بل يعجز عن الحضور كنظام حكم عادل.
أمام هذا كله، تبدو الصواريخ إلى إسرائيل – بكل رمزيتها – أقل خطورة من الصمت الذي فُرض على الداخل، فالخوف لا يأتي من العدو، بل من “المشرف” الذي يتصرف كظل لله على الأرض، يعين ويعزل، يمنح الرضا ويقرر من يعيش ومن يُتهم بالعمالة.
إن المشكلة مع أنصار الله ليست في شعارهم، بل في استخدامهم لكل شعارات الأمة كجسر إلى تثبيت حكم قائدم على أساس التمييز العرقي، وهم لم يكتفوا بتكرار تجارب الفشل، بل أعادوا تدويرها بثوب ديني جديد.
فكل ما كان مذمومًا في الأنظمة الفاشلة، أعيد إنتاجه هنا: الطائفية، الجبايات، السجون السرية، الإعلام الرسمي المجند، وعبادة الفرد، وتغييب الدولة باسم “القيادة”.
فلسطين تستحق أنصارًا أحرارًا، لا شعارات ملوّثة بالقمع.
ويبقى ما قاله الكواكبي شاهدًا:
“الاستبداد لا يُقاتل العدو، بل يُقاتل الأمة حتى يظنها هي العدو”.
وهذا ما يحدث.. القدس هناك… لكن اليمن في السجن.