النقار – خاص
شهدت محافظة ذمار، اليوم الثلاثاء، تطورًا ميدانيًا لافتًا تمثل في اقتحام مسلحين من قبائل عنس مكاتب جبايات استحدثتها سلطات الأمر الواقع في صنعاء، على خلفية فرض رسوم مضاعفة على شاحنات نقل مواد البناء، أبرزها "النيس" و"الكري". الاقتحام – الذي تخلله إحراق المكاتب وطرد العناصر الأمنية – يعكس حالة احتقان آخذة في التصاعد بين القبائل المحلية وسلطة صنعاء، نتيجة سياسات الجباية المتزايدة التي تطال مختلف الأنشطة الاقتصادية.
اقتحام وحرق مراكز التحصيل
أظهرت مقاطع فيديو تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي احتشادًا غير مسبوق لعشرات المسلحين من أبناء قبائل عنس في موقع جباية كانت قد أنشأته أنصار الله في مديرية عنس، حيث أطلق المسلحون النار بكثافة باتجاه المكاتب المؤقتة، وقاموا بإحراقها بالكامل بعد بعثرة محتوياتها، فيما انسحبت الأطقم الأمنية التابعة لسلطة صنعاء من المكان دون أي اشتباك مباشر.
المحتجون اتهموا القيادي في أنصار الله داهم العمياء، المعروف بلقب "أبو صلاح الجمل"، بفرض جبايات جديدة ومضاعفة على شاحنات نقل النيس، ما أثقل كاهل السائقين وهدد مصدر رزقهم الوحيد. ووفق شهود عيان، فإن عناصر أنصار الله كانوا قد استحدثوا نقاط تحصيل ونصبوا عددًا من الحاويات كمكاتب لجمع الأموال، في إجراء وصفه الأهالي بـ"الجائر".
خلفية التوتر: جبايات خارج الاتفاق
يأتي هذا التصعيد عقب يوم واحد فقط من تحذيرات علنية وجهها الشيخ محمد حسين المقدشي، أحد أبرز الشخصيات الاجتماعية القبلية في ذمار، حيث ظهر في بث مباشر من موقع النقطة المحترقة محذرًا من أن "أي إجراء ستتخذه السلطة سيُقابل بالمثل"، قائلاً: "ما احنا قاعدة ولا احنا داعش، عنتقاتل احنا وهو وحقنا حق خاص".
المقدشي أشار إلى وجود اتفاق سابق تم التوصل إليه بين قبائل عنس ومشرفي أنصار الله لتنظيم آلية التحصيل بما يضمن مساهمة رمزية في تحسين الطريق، دون أن تُثقل كاهل السائقين. وقال إن الاتفاق تضمن دفع مبلغ 300 ريال للمتر مقابل إنشاء صندوق محلي يعود نفعه على المنطقة، غير أن القيادي العمياء عاد لاحقًا وفرض رسومًا تصل إلى ألف ريال للمتر، إضافة إلى اتهامه للمقدشي بالسعي وراء المال. وقال المقدشي: "أنا أشتي قبيلة، ما أشتي زلط".
إضرابات سابقة ومضاعفة الرسوم
تعود جذور الأزمة إلى أبريل الماضي، حين نفذ سائقو شاحنات نقل النيس في المنطقة إضرابًا شاملًا احتجاجًا على رفع رسوم التحصيل من 15 ألف ريال للمتر المكعب إلى 30 ألف ريال، إضافة إلى فرض ما يُعرف بـ"زكاة الركاز"، التي تصل إلى 7200 ريال على كل شاحنة، ما أدى إلى شلل مؤقت في حركة النقل والتحميل.
وبرغم أن سلطات أنصار الله كانت قد قدمت حينها وعودًا بإعادة النظر في آلية التحصيل، إلا أن تلك الوعود لم تُنفذ على الأرض، ما أعاد التوتر مجددًا ودفع القبائل إلى التصعيد الميداني.
سياق أوسع للجبايات في مناطق سيطرة أنصار الله
لا تُعد هذه الحادثة معزولة، بل تندرج ضمن سياق أوسع لسياسات الجباية التي تتبعها سلطة صنعاء منذ سنوات في مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرتها. وتُفرض رسوم متعددة – بعضها غير منصوص عليه في أي قانون – على مختلف الأنشطة التجارية والزراعية والخدمية، ما أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف المعيشة والإنتاج، وسط انهيار اقتصادي متواصل.
وتشير مصادر محلية في ذمار إلى أن قطاع النيس تحديدًا أصبح خاضعًا لهيمنة نافذين من أنصار الله، يتم تحصيل الرسوم فيه عبر مكاتب وسيطة يديرها مشرفون محليون، وتُحصّل بمبالغ تصل إلى 15 ألف ريال عن كل حمولة شاحنة، يُقال إن جزءًا منها يُحوّل لصالح قيادات نافذة.
يبقى المشهد في مديرية عنس مفتوحًا على احتمالات عدة، في ظل غياب رد رسمي من سلطة صنعاء، واستمرار الغضب في أوساط القبائل. الحادثة شكّلت مؤشرًا لاحتقان لم يعد خافيًا، وطرحت تساؤلات حول العلاقة بين مراكز النفوذ في السلطة والقواعد القبلية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.