يتساءل كثير من اليمنيين، باشمئزاز متفاوت، ما الذي يجبر وفد أنصار الله في بيروت على هذا القدر من الابتذال في التعبير عن حزنهم أو امتنانهم؟ بطبيعة الحال، فإن مناسبة مثل تشييع حسن نصر الله، في بيئة متمرّسة على البكاء، حيث لا تقل خبرة أصغر عمامة سوداء فيها عن ثلاثة عقود من ذرف الدموع، اعتبرها وفد الحركة فرصة ذهبية لإثبات أنهم شيعة أصل وفصل، في طليعة التضحية من أجل المحور دائمًا، وللتأكيد أن موهبتهم الوحيدة لا تقتصر على عنتريات البحر الأحمر فحسب.
ولأن الحزن عندهم “في القلب” ولا يحتاج إلى عمامة سوداء لتصديقه، فقد شخط الوفد الإعلامي وجهه للقيادة معاهدًا إياها أن يكون خير ممثل.
لكن يبدو أن الوفد المستجد في عالم البكائيات لم يستطع مقاومة التفاصيل الدرامية للحدث، فانخرط في مشاعر مبالغ فيها، كالصبي العاشق الذي يكتشف الحب لأول مرة. بالغ الأنصاريون في توددهم حتى تجاوزوا الحدود المعقولة، إلى الحد الذي أصبح فيه اللبنانيون أنفسهم يشعرون بالحرج من هذا الابتذال، معتبرين إياه تملقًا فارغًا يسيء إلى حرمة الحدث أكثر مما يكرّمه.
تتالت الفيديوهات التي توثّق هذه المواقف، وكان آخرها مشهد لم يكن الأول لمدير إذاعة سام إف إم، حمود شرف، الذي اعتاد أن يزمجر في وجوه اليمنيين من إذاعته في صنعاء، مهددًا أحيانًا، وواشيًا في غالب الأحيان. لكن هذه المرة، ظهر شرف بملامح صفراء، خالية من الأدب والكرامة، منزوعة من أبسط مقومات الإنسان الطبيعي.
في الفيديو، يتوسل شرف إلى المرافق الشخصي لحسن نصر الله ليقبّل يده، فقط لأنها صافحت نصر الله يومًا ما. رفض الرجل ذلك محاولًا تخليص نفسه من هذا الموقف المحرج، لكن شرف لم ييأس، وواصل تكرار توسلاته: “لو سمحت، لو سمحت، لو سمحت”، بينما يلتصق به في محاولة يائسة لتحقيق حلمه الصغير. لم ينهِ هذا الموقف البائس سوى المصوّر، الذي قرر قطع الفيديو، موفّرًا على الجميع مزيدًا من الحرج والمهانة.
مشهد جعل معظم اليمنيين، بمختلف انتماءاتهم، يشعرون بالإحراج من تصرفات كهذه، لأن مهما قيل عن اليمنيين، يبقى من العار أن يُنسَب إليهم رجل يحتزم الجنبية لكنه لا يعرف قيمتها، ولم يكن رجلًا ليُمثل أهلها، لكنهم في أعماقهم غارقون في الدونية، لأنهم ما زالوا حتى الآن… “شيعة بالقلم الرصاص”.