خاص | النقار
سيقولون تصرف شخصي لا يعبر عنا. فهكذا يقولون كلما خرج للعلن بعض ما يقومون به في الخفاء. ثمة حالة انتهاك متواصلة تمارَس من قبل الجماعة ضد كل ما يجدونه مخالفا لهم، وكل مواطن أصبح يستشعرها تحل عليه من قبل أدنى مسلح، حتى وإن كانت متأجلة أو لم تأت بعد.
سحر سيف، فنانة تشكيلية وصاحبة متجر صغير في حي من أحياء العاصمة صنعاء مزجت فيه بين الفن والبن، والبن والفن، فأطلقت عليه اسم "فن وبن" كنوع من حميمية تجمع هذين اللونين من ألوان الحياة في لوحة دعائية أرفقت فيه صورتها.
لكن بما أن مزاج الجماعة لا تروقه ألوان الحياة الزاهية، ولا أي مزج في ما بينها، فضلا عن وجود وجه امرأة في الصورة، فقد استفزه الأمر لدرجة أنه قرر أن يضع حدا له.
وها هو ذا قيادي مدجج يقتحم على سحر سيف متجرها الصغير الذي كان هو آخر ما تبقى لها من حلم، وآخر ما يمكن لها أن تتشبث به من أمل في ظل هكذا يأس بحجم وطن. يقتحم المتجر ويتهجم على صاحبته بالاعتداء اللفظي والإهانة العلنية مرعدا مزبدا، بعد أن اعتبر الصورة الدعائية للعلامة التجارية الخاصة بالبن "لا تمثل البن اليمني".
هكذا تكون الصورة قد أصبحت مكتملة. فهذا القيادي وأمثاله ممن يتكاثرون بكل الأشكال وبالملامح ذاتها أصبح هو صاحب الحق الحصري في تمثيل كل ما هو يمني، حتى لو كان بُناً، فهو يريده بناً وفق الهوية الإيمانية مثلا.
وفقاً لرواية سحر سيف التي نشرتها في مقطع مصور على “فيسبوك”، فقد ادعى ذلك المدجج أن الصورة “لا تمثل البن اليمني”، مستخدماً هذا الادعاء كذريعة لتهجم غير قانوني على مقر عملها، مشيرة إلى أن المعتدي قدم نفسه على أنه “رجل دولة”، على الرغم من عدم حمله أي مستندات رسمية أو قانونية تبرر تصرفاته.
لكن هل يحتاج مثل هؤلاء إلى إبراز أي وثائق تثبت هويته الوظيفية، والدولة دولتهم والسلطة سلطتهم والجماعة جماعتهم؟! بالتأكيد لا يمكن ذاك، طالما أن السلطة بقضها وقضيضها تحمل الأفكار نفسها بدءا من المشاط وانتهاء بمستجد في قسم شرطة.
سحر أكدت أن الاعتداء لم يكن مجرد استهداف شخصي، بل إهانة لكل الجهود التي تبذلها أمثالها من اليمنيات في بيئة تفتقر للدعم والتمكين.
لقد ظهرت في الفيديو وهي تغالب دموعها، معبرة عن استيائها من غياب العدالة وصمت الجهات المختصة أمام مثل هذه الحوادث.
ناشطون وحقوقيون أعربوا عن تضامنهم الكامل مع سحر سيف، معتبرين أن ما تعرضت له لا يعكس كونها تصرفا أحاديا مثلما ستحاول السلطة تبريره، بل هو حالة انتهاك متواصلة ضد المجتمع بأسره، حيث يراد للمزاج السوداوي الذي يسود الجماعة أن يسود المجتمع أيضا.
وبحسب الكاتب والسياسي محمد المقالح فإن "التصرفات التي يقوم بها أفراد من أنصار الله وتؤدي إلى سلب حقوق التجار والمواطنين وإشعارهم بالقهر ليست ممنهجة ولكنها نتيجة طبيعية لشعور هؤلاء الأفراد بأنهم مختلفون عن بقية الناس وأن الدولة دولتهم وأن الاخرين ينبغي أن يخضعوا لهم".
يضيف المقالح: "المسألة ليست قرارات سياسية، بل مشاعر استعلائية"، مختتما بالقول إن "فكرة الاصطفاء مدمرة لصاحبها ومن حوله من الناس".
لكن المقالح لم يوضح من هم بالضبط أولئك "الأفراد" الذين يقصدهم، خصوصا وأن كلمة الأفراد حتى وإن كانت جمعا تظل تحمل مدلول الفردية. وهذا سيجعل من تلك التصرفات فردية هي الأخرى، بحيث لن يستطيع أحد بعد ذلك ضبط دلالات اللغة في كون سلطة صنعاء تقتحم محلات البالطو لكونها لا تلتزم باللباس "المحتشم" وتقوم بخدش الصور على واجهات محال الكوافير لأنها صور مغرية، وتغلق مطاعم حليل في نقيل سمارة لأن أصحابها نساء، وتمنع العائلات من دخول المطاعم والحدائق العامة إلا بعد إثبات كونهم عائلة فعلا، وغير ذلك من التصرفات التي أصبحت حالة صارخة، ثم بعد ذلك يأتي من يأتي ليتحدث عن كونها تصرفات أحادية من هذا القيادي أو أولئك "الأفراد".