النقار - خاص
الإحالة إلى التقاعد فكرة تراود سلطة صنعاء منذ 8 سنوات، وأكدت عليها في برنامج حكومة الرهوي الذي نص على معالجة حالات الإحالة للتقاعد لمن بلغ أحد الأجلين. ورغم التزامها بتوصية البرلمان بعد منحها الثقة بتأجيل أي إجراءات للإحالة إلى التقاعد لموظفي الخدمة العامة، إلا أنها خالفت ما التزمت به وبدأت بتطبيق الفكرة.
بدأت سلطة صنعاء تطرح الإحالة إلى التقاعد منذ 2017، لكنها طرحته رسميا في 2021 بتعميم وزارة الخدمة المدنية رقم 9 بشأن إحالة من بلغ أحد الأجلين للتقاعد الصادر في مارس 2018، على أن لا يتم إبدالهم بآخرين إلا بموافقة من رئيس المجلس السياسي الأعلى وحسب الاحتياج فقط.
ومن هذا التعميم يتضح أن الجماعة ترى أن الإحالة إلى التقاعد أداة مهمة من أدواتها للسيطرة على الوظيفة العامة، ولذلك وضعت عملية التوظيف كاملة بيد رئيس المجلس السياسي الأعلى، بالمخالفة للقوانين النافذة التي تؤكد أن التوظيف يتم عن طريق المفاضلة من سجلات طالبي التوظيف في الخدمة المدنية.
وقبل أن تطرح الإحالة إلى التقاعد رسميا، كانت السلطة قد أعدت كشوفات المحالين إلى التقاعد في عهد الوزير طلال عقلان، لكن الوزير اللاحق إدريس الشرجبي رفض فكرة الإحالة تماما، ليتم إحياؤها مجددا بعد تعيين سليم المغلس وزيرا للخدمة المدنية في أبريل 2021. فأوقفها البرلمان مستندا إلى إفادات سابقة للوزير الشرجبي ورئيس الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات.
وحصل “النقار” على تقرير برلماني صدر في يوليو 2021 عن لجنة القوى العاملة والشؤون الاجتماعية، تضمن إفادة لوزير الخدمة المدنية حينها إدريس الشرجبي تعود إلى 1 مارس 2020، حذر فيها من خطورة اتخاذ قرار بالإحالة إلى التقاعد، في ظل عدم القدرة على صرف المرتبات والمعاشات، لما سيترتب على ذلك من التزامات مالية لتسوية أوضاع المحالين من علاوات وترقيات وغيرها، فضلا عن عدم قدرة هيئة المعاشات على ربط معاشات المتقاعدين. موضحا أن آخر علاوات منحت للموظفين كانت في 2012، وأن آخر إحصائية لمن بلغوا أحد الأجلين حتى 2019 تصل إلى 44 ألفا و255 موظفا على مستوى الجمهورية، منهم 23 ألفا و183 موظفا في مناطق حكومة صنعاء. منوها إلى أن سن الإحالة إلى التقاعد الوارد في القانون رقم 25 لسنة 1991 بشأن التأمينات والمعاشات بحاجة إلى تعديل يتضمن تمديد 5 سنوات على الأقل، كون بعض القطاعات يمكن أن تتأثر من فقدان الخبرات التي ما يزال بإمكانها أن تعطي الكثير مثل الأكاديميين والقضاة.
وأفاد “النقار” مصدر على اطلاع واسع بالكشوفات التي أعدت للتقاعد أنه تم إحالة قرابة 5 آلاف موظف للتقاعد مؤخرا، أغلبهم أكاديميون وتربويون، من عدد يصل إلى 52 ألفا تحتويهم كشوفات الإحالة حتى نهاية 2024. متوقعا أن تشمل المرحلة الثانية القضاء والصحة.
يقول د. عبد الملك الجبلي: “صرفوا نصف راتب، ويريدون فصل 1500 بروفيسور بمبرر التقاعد، بعد أن ظلت البلد تؤهلهم على مدى 50 عاما في أرقى جامعات العالم”.
وإن كانت السلطة تدعي بأنها تطبق القانون بإحالة من بلغوا أحد الأجلين للتقاعد، فلماذا لا تطبق القانون بمنحهم مرتباتهم المتأخرة لأكثر من 6 سنوات، والعلاوات والترقيات وغيرها من الحقوق المالية التي لم تصرف منذ 12 سنة؟
وفي التقرير البرلماني السابق الذي اطلع عليه “النقار”، أكد إبراهيم الحيفي رئيس الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات في مارس 2020 أن إحالة موظفين بلغوا أحد الأجلين للتقاعد في هذه الظروف ليس عادلا. كاشفا أن الهيئة غير قادرة على ربط أي معاش تقاعدي منذ نهاية 2014. مشيرا إلى أن الإحالة إلى التقاعد في المناطق الواقعة خارج سيطرة سلطة صنعاء موقفة، وليس من العدل إحالة من هم في مناطق السيطرة. معتبرا أن هذا الأمر ينتقص من قوة القوانين.
وحصل “النقار” على معلومات تفيد بأن لدى سلطة صنعاء كشوفات مفصلة بإحلال أكثر من 50 ألف اسم في الجهاز الإداري للدولة بدلا عن المتقاعدين، أغلبهم ينتمون جغرافيا لأربع محافظات فقط هي (صعدة، حجة، عمران، صنعاء)، ما يعني أن التوظيف لن يتم من كشوفات الخدمة المدنية الذين يتجاوز عدد طالبي التوظيف فيها 200 ألف خريج، أقلهم حاصل على الدبلوم المتوسط، وكثير منهم مر على قيد طلباتهم أكثر من 20 عاما، وإنما من عناصر الجماعة.