 
																	
									
									
								                                في ضوء سيطرة قوات "الدعم السريع" على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في ولايات دارفور الخمس، بات إقليم كردفان جبهة قتال مرشحة لتكون الأكثر شراسة منذ بدء الحرب قبل أكثر من 30 شهراً، إذ دفع الجيش بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى هذا الإقليم، فضلاً عن نقله قيادة العمليات المركزية إلى مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، مما يعد مؤشراً واضحاً على تغير وضعية خطط واستراتيجية الحرب إلى الهجوم لاستعادة المدن التي ما زالت في قبضة "الدعم السريع"، بخاصة النهود والخوي والدبيبات وبارا وأم صميمة، بجانب وقف تقدم وتمدد الأخيرة في ولايات كردفان الثلاث: شمال وجنوب وغرب.
ويضع اشتداد القتال في إقليم كردفان نحو مليون شخص يعيشون في ولاياته الثلاث أمام معاناة مأسوية بالغة، بالنظر إلى تدهور الأوضاع الإنسانية المستمرة، والخوف من تكرار المذابح التي وقعت في الجنينة والفاشر.
قصف الزريبة
في الأثناء، تعرضت منطقة الزريبة الواقعة شرق مدينة الأبيض أمس الخميس إلى قصف جوي شنته قوات "الدعم السريع" عبر طائرة مسيرة، أدى إلى وقوع قتلى وجرحى بين المدنيين، وفق مصادر عسكرية، بيد أن الأخيرة نفت مسؤوليتها عن القصف، مشيرة في بيان رسمي إلى أن الجيش هو من استهدف المنطقة بطائرة مسيرة، مما تسبب في مقتل وإصابة عشرات من تلاميذ وطلاب الخلاوي في هذه المنطقة.
ووفقاً للمتحدث الرسمي باسم الجيش العميد عاصم عوض فإن ما يروج له حول استهداف الجيش لمنطقة الزريبة ليس سوى محاولة مكشوفة من "الدعم السريع" لصرف الأنظار عن الجرائم التي ترتكبها ضد المدنيين في مناطق عدة من البلاد، ومحاولاتها المستمرة لتضليل الرأي العام.
وأكد عوض في بيان له أن الجيش لا يستهدف التجمعات المدنية تحت أي ظرف، وهو دائماً ملتزم بقواعد الاشتباك ومبادئ القانون الدولي الإنساني.
تصعيد جديد
وفي تصعيد جديد، شن طيران الجيش غارات جوية على مواقع تمركز قوات "الدعم السريع" في مناطق عدة بولاية غرب كردفان، شملت الخوي وأبو زبد والنهود والفولة، إضافة إلى بابنوسة التي تضم آخر فرقة للجيش في الولاية.
وأشارت مصادر عسكرية إلى أن استخبارات الجيش رصدت حشوداً لقوات "الدعم السريع" منذ أيام عدة للهجوم على الفرقة 22 مشاة المتمركزة بمدينة بابنوسة، وبالتالي تم استهدافها بضربات جوية دقيقة، لافتة إلى أن هذه الضربات الجوية أدت إلى تدمير عدد من المركبات القتالية بكامل تسليحها، ومقتل ما لا يقل عن 30 عنصراً من قوات "الدعم السريع".
وتوقعت المصادر ذاتها أن تشهد الأيام المقبلة معارك عنيفة في محاور عدة بكردفان، بعد حشد الطرفين لقواتهما في المنطقة خلال الأيام الأخيرة. واستعاد الجيش في الـ11 من سبتمبر (أيلول) الماضي السيطرة على منطقة الزريبة، قبل أن تستردها قوات "الدعم السريع".
وعزز الجيش السوداني قواته العسكرية في محاور القتال بإقليم كردفان، تحسباً لاشتباكات عنيفة متوقعة مع قوات "الدعم السريع" في الأيام المقبلة، بعد حشد الطرفين لقواتهما.
وشهدت ولاية شمال كردفان مواجهات عنيفة إثر تقدم الجيش وحلفائه على جبهات عدة، مما أدى إلى استعادة السيطرة على مناطق متعددة كانت تحت سيطرة "الدعم السريع".
وخلال الأيام الماضية، نجح الجيش في إيصال إمدادات جوية لتعزيز صمود الفرقة 22 مشاة المحاصرة في مدينة بابنوسة، التي ظلت تحت نيران "الدعم السريع" الساعية إلى السيطرة عليها منذ اندلاع الحرب.
هلع في الفاشر
وفي محور دارفور، واصل طيران الجيش غاراته الجوية على مواقع وتمركزات "الدعم السريع" في مدينة الفاشر، وبحسب مصادر عسكرية، فإن الطيران الحربي التابع للجيش فرض سيطرته الكاملة على سماء الفاشر.
وأفادت المصادر ذاتها أن الغارات الجوية استهدفت مواقع "الدعم السريع" في مختلف أحياء الفاشر، مما أحدث حالة من الهلع وسط المقاتلين بسبب كثافة الغارات وقوة الانفجارات.
واعتبر الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء ركن عبدالغني عبدالفراج عبدالله سلاح الجو التابع للجيش بأنه يمثل قوة الردع الحاسمة في ظل نقص القوة البرية، ليصبح السند الأقوى في مسرح العمليات بجبهات القتال المختلفة.
وأشار عبدالله في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إلى أنه بإمكان سلاح الجو مباغتة العدو داخل أراضيه أو في أماكن وجوده، أو حتى قبل تحركه، فتبدأ عمليات السيطرة الجوية وتكون حركة العدو الجوية محدودة للغاية، كما هو الحال الآن إذا استبعدنا المسيرات، إذ إن الطرف الآخر، "الدعم السريع"، لا يملك أية قوة جوية، لكن الذي حد من قوة وفعالية الطيران الحربي، بخاصة في الفاشر، هو أجهزة التشويش والمضادات على رغم محدودية عملها، إذ إن معظمها عبارة عن رشاشات تعمل في الارتفاعات المنخفضة.
ورأى أن المعركة الآن تسير في الطريق الصحيح لصالح الجيش، وأن "الدعم السريع" تسير نحو الهاوية، إذ فقدت العنصر الصلب الذي نال تدريباً عالياً، وكذلك فقدت معظم مركباتها القتالية وأسلحتها بكل أنواعها، خصوصاً الثقيلة والمتوسطة.
وبين الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية أن الثقة بين قيادة وقاعدة "الدعم السريع" باتت مهزوزة بسبب فظاعة الانتهاكات والجرائم الوحشية التي هزت العالم، وتعد إدانة مجلس الأمن الدولي للأحداث التي وقعت أخيراً في إقليمي دارفور وكردفان دليلاً قاطعاً على انهيار هذه القوات. وفوق ذلك أيضاً، انتهت عمليات "الفزع" التي كانت تمثل عاملاً حاسماً في المعارك الأولى في الخرطوم والجزيرة وسنجة، كما أن بعض القبائل بدأت تهدد بسحب ولائها لهذه القوات نتيجة فقدها أعداداً كبيرة من أبنائها المقاتلين.
استمرار النزوح
إنسانياً، استمر تدفق النازحين الفارين من الفاشر إلى المناطق الآمنة في مختلف مناطق دارفور لليوم الرابع توالياً، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في المدينة عقب سقوطها في يد قوات "الدعم السريع".
وبحسب موظفي إغاثة، فإن أكثر من 10 آلاف نازح وصلوا إلى منطقة طويلة بشمال دارفور، معظمهم من الأطفال والنساء، في وضع إنساني يرثى له، بعد معاناة شديدة أثناء سيرهم على الأقدام لأكثر من خمسة أيام.
فيما وصل مئات من النازحين الفارين من الفاشر إلى مدينة كتم (136 كيلومتراً شمال غربي الفاشر)، في أوضاع إنسانية متدهورة.
وأشار متطوعون في العمل الإنساني إلى أن هؤلاء النازحين وصلوا إلى كتم بعد مسيرة شاقة استمرت أربعة أيام سيراً على الأقدام، إذ فقد بعضهم عشرات من ذويهم داخل الفاشر وأثناء خروجهم منها، بينما توفي عدد منهم في الطريق، خصوصاً من الأطفال وكبار السن.
ولفت هؤلاء المتطوعون إلى أنه تم تسجيل أكثر من 200 أسرة وصلت إلى كتم يومي الأربعاء والخميس، من بينهم مرضى وجرحى في حاجة ماسة إلى العلاج والمأوى والغذاء ومياه الشرب.
تصفية ميدانية
إلى ذلك، اتهمت شبكة أطباء السودان قوات "الدعم السريع" بارتكاب جريمة تصفية ميدانية في حق 38 مواطناً عزل في منطقة أم دم حاج أحمد بولاية شمال كردفان، بحجة اتهامهم بالانتماء إلى الجيش، مما يعد، وفق تعبيرها، تجسيداً لسياسة "القتل على الهوية".
وقالت الشبكة في بيان لها "جرى إعدام الضحايا بدم بارد، وما حدث ليس حادثة معزولة، بل استمرار لمخطط التطهير والإبادة الذي تنفذه قوات ’الدعم السريع‘ ضد المواطنين الأبرياء في شمال كردفان ودارفور"، مشيرة إلى أن استمرار هذه الجرائم يجري وسط صمت دولي مخز وتراخ من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية التي تكتفي بالتعبير عن القلق، بينما تسفك دماء السودانيين كل يوم.
من جهتها، أكدت وزارة الصحة السودانية مقتل 12 شخصاً من كوادرها الطبية برصاص عناصر تتبع لقوات "الدعم السريع"، في مدينة بارا بولاية شمال كردفان، عقب سيطرة الأخيرة عليها أخيراً.
وقالت الوزارة في بيان إن "سبعة من الكوادر الطبية العاملة بمكتب منظمة إعانة المرضى الكويتي، وخمسة من الكوادر الطبية التابعة لجمعية الهلال الأحمر السوداني، قتلوا في هجمات منفصلة نفذتها ميليشيات الدعم السريع بمدينة بارا".
وكانت منصات موالية لـ"الدعم السريع" قد بثت مقطع فيديو أظهر تعرض عدد من متطوعي الهلال الأحمر لاعتداء من أحد ضباط القوات، الذي اتهم المجموعة بالتبعية للجيش. ولاحقاً، أعلنت جمعية الهلال الأحمر السوداني مقتل خمسة من متطوعيها وفقدان ثلاثة آخرين أثناء ابتعاثهم في مهمة إنسانية بمدينة بارا.
توقيف "أبو لولو"
من جهتها، أوقفت قوات "الدعم السريع" عدداً من عناصرها، بينهم القائد الميداني المعروف بـ"أبو لولو"، بعد ظهوره في مقاطع مصورة وهو ينفذ عمليات إعدام ميدانية واسعة في حق مدنيين عقب سقوط الفاشر.
وأثارت هذه المقاطع المروعة غضباً واسعاً في الداخل والخارج، إذ توالت الإدانات الدولية والإقليمية المطالبة بوقف الجرائم ومحاسبة المتورطين، ونشرت منصات تابعة لـ"الدعم السريع" مقطع فيديو يظهر نقل "أبو لولو" إلى سجن شالا في الفاشر وهو مقيد اليدين وإيداعه إحدى الزنازين.
وقال المتحدث باسم "الدعم السريع" في بيان إنه "تنفيذاً لتوجيهات القيادة، والتزاماً بالقانون وقواعد السلوك والانضباط العسكري أثناء الحرب، ألقت قواتنا القبض على عدد من المتهمين في التجاوزات في الفاشر، وعلى رأسهم المدعو أبو لولو".
ولفت إلى أن اللجان القانونية المتخصصة باشرت التحقيق مع المتهمين، تمهيداً لتقديمهم إلى العدالة، مبيناً أن قواتهم تتعامل بمسؤولية كاملة لإحقاق العدالة، بعيداً من أي توظيف دعائي أو تماه مع حملات التهويل والتسييس.
وأقر "أبو لولو" في بث مباشر عبر منصة "تيك توك" بقتل مئات الأشخاص، معلناً نيته رفع العدد إلى ألفي قتيل، ومبرراً إقدامه على ارتكاب هذه الجرائم انتقاماً لمقتل عدد من أفراد أسرته خلال الحرب الجارية.
"منع الانتهاكات"
في الأثناء، أصدر قائد ثاني قوات "الدعم السريع" عبدالرحيم دقلو أمراً قيادياً بحماية المدنيين والتقيد الصارم بالقانون أثناء العمليات العسكرية، وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية، و"منع أي انتهاكات تمس الكرامة الإنسانية أو تتعارض مع الاتفاقات الدولية"، وخصوصاً اتفاقات جنيف.
وتضمنت الأوامر التقيد التام بقواعد السلوك والاشتباك، والسماح لجميع المدنيين بمغادرة مناطق الأعمال العدائية وأية مناطق محاصرة طوعاً وبأمان.
كذلك، أمر قائد ثاني قوات "الدعم السريع" بالامتناع عن تجنيد الأطفال، والامتناع عن الانخراط في عمليات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي للمدنيين، وأية صورة من صورة التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بما في ذلك العنف الجنسي بجميع أنواعه.
ودعت الأوامر القيادية إلى توفير المساعدة والحماية لوكالات العمل الإنساني وتسهيل عملها أثناء الحرب، واحترام شارة الصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات الإنسانية الأخرى، وحماية العاملين في تلك المنظمات، فضلاً عن السماح بالمرور الآمن والسريع للمساعدات الإنسانية من دون أي عوائق، ومعاملة أسرى الحرب بطريقة إنسانية.
وطالب قائد ثاني قوات "الدعم السريع" القادة العسكريين في قواته بالتأكد من التزام أفراد القوات الذين تحت إمرتهم بجميع التزاماتهم بموجب قانون "الدعم السريع" والاتفاقات الدولية ذات الصلة، ولا سيما اتفاقات جنيف، ومعاقبة المخالفين، والسيطرة على القوات، واتخاذ الخطوات الضرورية لمنع ارتكاب أية جرائم أو تجاوزات، واتخاذ إجراءات تأديبية أو جزائية فورية ضد الأفراد المسؤولين عن تلك الأفعال أو الجرائم.