عبدالوهاب قطران
أشعر بالدهشة والمرارة، بل بالذهول، أن تُستَخدم سلطة الدولة وسلاحها وأدوات قمعها للانتقام من أخي، عارف قطران، بهذه الغطرسة المكشوفة، بعد أكثر من عام ونصف على تحديه العلني لقياداتهم الكبار في سلطة صنعاء: أبو علي الحاكم، مهدي المشاط، ومحمد علي الحوثي. في ٢٤ مايو ٢٠٢٤، نشر عارف مقطع فيديو قصيرًا تحدّاهم فيه مواجهةً رجلًا لرجل، بندقيةً ببندقية، أو كما قال بلغته القبلية الصادقة: “خشوم القصّاب بخشوم القصّاب”. لم يكن يهدد، بل كان يصرخ في وجه الظلم الذي طالّه وطالني وكل حر في هذا البلد. كان صوته نداء كرامة، لا نداء عنف. صمتوا سنةً وأربعة أشهر، ثم باغتوه فجر ٢١ سبتمبر ٢٠٢٥م، قبل طلوع الشمس، مشهدًا من الغطرسة والانتقام: داهمت أطقم الحوثيين المسلحة منزلنا في همدان، وحلّقت طائرة مسيّرة من نوع زنانة توز فوق بيتنا، ترصد وتصوّر من مطلع الشمس إلى الظهيرة. ثم خُطفوا أخي عارف ونجله عبدالسلام واقتيدوا إلى سجن مجمع همدان، ثم نُقلوا في اليوم التالي عبر مراحل متعبة إلى سجن إدارة أمن سنحان. لم يصدر أمر قبض قضائي، ولا استدعاء رسمي، بل مجرد انتقام سلطوي بدم بارد لأن الرجل تجرأ وقال: “واجهوني إن كنتم رجالًا”. أخي عارف ليس سياسيًا، ولا مسلحًا، إنه فلاح بسيط، يعيش من عرق يديه، لكنه رفض أن يُذل. ومنذ ذلك الفيديو القصير الذي دوّى كالرعد، صار اسمه رمزًا للقهر الشعبي. تناقلت وسائل الإعلام والناشطون مقطع الفيديو، وتحدث عنه موقع النقّار في تقرير بعنوان: “بندقية القبيلي والطلقة الأخيرة”، معتبرين ما قاله تجسيدًا حيًا لصرخة المقهور في وجه الدولة المتغوّلة. ولكن القصة لم تتوقف عند هذا الحد. قاموا بسجنهم بسجن بعيييد بمديرية سنحان ،يسافر اليه من همدان مراحل !! واليوم، تكبّد ابناه الصغيران، وابني وعثاء السفر وقطعوا مراحل من همدان إلى سنحان لزيارته، فوجدوا الجنود غاضبين ومتذمرين، وكأن المعاناة لم تكتمل بعد. وكان ردهم صادمًا ومهينًا: منعوا زيارة أخي ونجله، فقط لأنني أكتب وأنشر عن سجنهم على فيسبوك. قالوا لديهم توجيهات من أعلى مستويات الأمن والمخابرات ! واضافوا قد كنا متساهلين ومتسامحين، ونسمح لكم بالزيارة، لكنهم قرّروا منعها عنهم، والآن، قريبًا، سيتم نقلهم إما إلى سجن الأمن والمخابرات أو السجن المركزي !! يا الله! من هنا لا تقربوا خطوة واحدة، ممنوع… روحوا بيوتكم غطرسة وطغيان وغرور! بأي حق تمنعون أطفالًا قطعوا مراحل طويلة من همدان إلى سنحان لزيارة أبيهم، لمجرد أنني كتبت نقدًا للسلطة لانهم اعتقلتهم بدون وجه حق ؟ ما هذا الانتقام؟ ولماذا تصفية الحسابات باستخدام أدوات القهر والسلطة؟ قبل خمسة أيام، اتصل بي أخي عارف من سجن سنحان وأخبرني أن المدعو أبو جعفر يحقق معه، ويتهمه ويتهمنا بالعمالة للخارج! ويقول له اذا لم يتوقف اخيك القاضي عن الكتابة سندخله جنبكم !! قال له: “ حمى على دقونكم ،كيف تجدون وجهًا لتتهمونا بالعمالة، ونحن أصحاب وطنية لا يجرؤ أحد على التشكيك فيها أو المزايدة بها؟” رجع المحقق مستحيًا، وصرّح أنه منزعج من كتاباتي، ووعد بالإفراج عنه مساء الاثنين الماضي، ثم نكث بمواعيده، وإذا بنا نفاجأ اليوم بمنع الزيارة عنه!! ولا نعرف حالته الصحية او النفسية كونه يعاني من عدة امراض خطيرة وفتاكه . وأطفاله وعائلته لا يجدون قوت يومهم، ويستلفون مصاريف السفر من همدان إلى سنحان لزيارة والدهم وأخيهم. نحملكم المسؤولية الكاملة عن سلامة وصحة أخي عارف قطران ونجله. لا يليق بمن تعلوا به الرتب والمناصب أن يحقد على مواطن بسيط، وينتقم منه باستغلال سلطته ووظيفته، واستخدام إمكانيات الدولة للتنكيل به، لأنه تحداه يومًا ودعاه للمبارزة وجهاً لوجه… مبارزة فرسان، فالدعوة للمبارزة عرفًا وسنة وعادة معمول لها عند العرب والعجم. فإذا به يستخدم الدولة وأدوات قمعها بالمكر والخديعة والغدر والمباغتة للتنكيل والانتقام من فلاح بسيط، أرهقه القحط والجوع، وباع بنادقه وسلاحه لينقذ أطفاله وأسرته من الجوع بعد أن فتك بهم القحط والجدب والعطش، وجفت بئرهم وماتت أشجارهم. ياعيباه ياملامتاه ،أطلقوا سراح الرجل وكل المعتقلين المظلومين… قبل أن يتحول الانتقام إلى كارثة إنسانية حقيقية.