شهد عدد من المناطق بولاية شمال كردفان، وبخاصة قرب الأبيض ونواحي طريق الصادرات الرابط بين أم درمان وبارا، مواجهات ضارية بين الجيش وقوات "الدعم السريع" استخدمت فيها المدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة. وبحسب مصادر عسكرية فإن معارك عنيفة دارت بين الطرفين منذ صباح الباكر أمس الأحد باتجاه طريق الصادرات الحيوي قرب بلدة جبرة الشيخ التي تسيطر عليها "الدعم السريع"، كما قصفت مدفعية الجيش المنطلقة من قيادة الفرقة الخامسة – مشاة بصورة مكثفة حشوداً لـ"لدعم السريع" في منطقة العيارة، نحو 15 كيلومتراً غرب الأبيض، والتي سيطرت عليها الأخيرة، السبت، وأجبرت الجيش على الانسحاب إلى تخوم عاصمة شمال كردفان (الأبيض)، إذ وقعت مواجهات عنيفة في منطقة 13 في أطراف الأبيض قبل أن ينجح الجيش في صد الهجوم.
وأشارت المصادر نفسها إلى وقوع خسائر كبيرة في الأرواح، بخاصة في جانب "الدعم السريع"، فضلاً عن تدمير مجموعة من العربات القتالية والاستيلاء على أخرى بكامل أسلحتها وعتادها، في حين فرت مجموعات من تلك القوات تحت ضغط الضربات الجوية والمطاردة المستمرة من القوات البرية.
واستأنف الجيش منذ أكثر من أسبوع عملياته في إقليم كردفان لإبعاد "الدعم السريع" من المناطق التي يسيطر عليها في هذا الإقليم، تمهيداً للوصول إلى إقليم دارفور وإنهاء حصار الفاشر، في المقابل تسعى الأخيرة إلى عرقلة تقدم الجيش.
وكان الجيش استعاد في الـ11 من سبتمبر (أيلول) الجاري السيطرة على مدينة بارا بولاية شمال كردفان ذات الموقع الاستراتيجي من قبضة "الدعم السريع"، التي كانت تسيطر عليها منذ الأشهر الأولى لبدء النزاع.
تصاعد خطر
في الأثناء قال حزب الأمة القومي، أكبر الأحزاب السودانية التي لها ثقل جماهيري كبير في إقليم كردفان، إن "مناطق شمال كردفان تشهد هذه الأيام تصاعداً خطراً في المعارك بين الجيش و(الدعم السريع)، إذ وصلت الاشتباكات إلى تخوم مدينة الأبيض المكتظة بالمدنيين، والتي تعد أكبر مركز للنزوح بإقليم كردفان"، وناشد الحزب في بيان طرفي النزاع تحكيم صوت العقل والامتناع عن خوض المعارك وسط المدنيين في مدينة الأبيض، ودعا المجتمع الدولي إلى ضرورة الإسراع في توفير الدعم الإنساني العاجل للمواطنين في هذه المدينة.
موجة نزوح
وتسبب التصعيد العسكري الواسع وتمدده هذه الأيام في مناطق عدة بإقليم كردفان، بخاصة النوبة، وأم صميمة، وكازقيل، وأم قرفة، والمزروب، وبارا بولاية شمال كردفان، في مغادرة عشرات الأسر نحو ولايتي شرق وجنوب دارفور، في وقت كانت فيه هذه المناطق تعد ملاذاً موقتاً للنازحين الذين فروا سابقاً من الخرطوم، مما أدى إلى موجة نزوح ثانية في أقل من عام. وأشار أحد النازحين الذين وصلوا إلى مدينة الضعين إلى أن غالبية الأسر التي وصلت إلى دارفور كانت قد نزحت قبل أشهر عدة من ولاية الخرطوم، واستقرت موقتاً في مناطق شمال كردفان، لكنها اضطرت إلى لفرار مجدداً بعدما امتدت العمليات العسكرية إلى تلك المناطق، ما جعلها غير آمنة للسكن. ورجح ناشطون أن يؤدي اشتداد القتال إلى مزيد من النزوح والتدهور في الأوضاع الإنسانية، بخاصة في ظل غياب أي مؤشرات إلى تهدئة أو وقف لإطلاق النار.
دوي انفجارات
في محور دارفور تواصلت المواجهات بين الجيش وحلفائه من القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة ضد "الدعم السريع" في محاور عدة داخل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وأشار مواطنون إلى أن سكان المدينة استيقظوا صباح الأحد على وقع أصوات ودوي الانفجارات التي أحدثها القصف المدفعي العنيف من "الدعم السريع" باتجاه الأحياء السكنية الواقعة شمال المدينة، فضلاً عن محيط الفرقة السادسة - مشاة التابعة للجيش، مما أسفر عن سقوط قتيلين وعدد من الجرحى.
كذلك شمل القصف المدفعي مخيم أبو شوك للنازحين الواقع شمال مدينة الفاشر، مما أدى إلى فرار معظم سكان المخيم من منازلهم باتجاه مناطق أكثر أماناً، بعضهم على الأقدام، وآخرون يستخدمون وسائل النقل التقليدية.
ونوه متطوعون بأن معظم هؤلاء النازحين يواجهون أوضاعاً مأسوية، في ظل غياب كامل للمنظمات في العمل الإنساني، مشيرين إلى أن وتيرة العنف في المخيم أصبحت في تزايد مستمر منذ توغل "الدعم السريع" داخله في الـ11 من أغسطس الماضي، مما أدى إلى نزوح شبه كامل للنازحين بحثاً عن الأمن في بقية أجزاء المدينة، وآخرين إلى مناطق طويلة وكورما وجبل مرة.
وتدهور الوضع الإنساني في الفاشر نتيجة استمرار المعارك، وشح الغذاء، وانعدام الرعاية الصحية، جراء الحصار المفروض على المدينة منذ أبريل (نيسان) 2024.
معدل التضخم
اقتصادياً، أشار الجهاز المركزي للإحصاء إلى ارتفاع معدل التضخم في أغسطس الماضي إلى 81 في المئة مقارنة بـ78.39 في المئة في الشهر الذي سبقه. وذكر الجهاز المركزي في بيان أن "معدل التضخم في المناطق الحضرية خلال أغسطس بلغ 83.93 في المئة مقارنة بـ80.20 في المئة سجلت في يوليو (تموز)، في حين سجل خلال أغسطس في المناطق الريفية نسبة 83.51 في المئة مرتفعاً عن نسبة 77.53 في المئة التي سجلت في الشهر الذي سبقه".
وينفق السودانيون 52.89 في المئة من دخلهم على السلع ضمن مجموعة الأغذية والمشروبات، و14.17 في المئة على مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود، و8.34 في المئة على مجموعة النقل.
وأوضح البيان أن معدل التضخم شهد ارتفاعاً بنسب متفاوتة في مجموعات الترويج والثقافة والنقل والمطاعم والفنادق، فيما سجلت بقية المجموعات انخفاضاً، ولفت إلى أن التضخم تصاعد خلال أغسطس في سبع من أصل 18 ولاية، إذ ارتفع بنسبة 36.22 في المئة في الجزيرة، وبـ29.90 في المئة في جنوب كردفان، وبنسبة 28.30 في المئة في شمال دارفور، كما تصاعد بنسبة 22.29 في المئة في الخرطوم، وبـ18.92 في المئة في شرق دارفور، وبنسبة 2.26 في المئة في البحر الأحمر. وأشار البيان إلى أن بقية الولايات شهدت انخفاضاً في معدل التضخم، كان أعلاه في سنار بنسبة 120.47 في المئة، تلتها غرب دارفور بنسبة 18.98 في المئة، ثم شرق دارفور بـ18.45 في المئة، وبنسب أقل في متبقي الولايات.
وشهد معدل التضخم في السنوات السابقة تصاعداً متوالياً حتى بلغ 422 في المئة في يوليو 2021، قبل أن يبدأ في الانخفاض تدريجاً إلى أن وصل إلى خانتين في يوليو 2025.
المبعوث الأممي
سياسياً، التقى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الشخصي إلى السودان رمطان لعمامرة، في مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية الموقتة للحكومة السودانية، كلاً من رئيس الوزراء كامل إدريس ووزير الخارجية محيي الدين سالم. وقال لعمامرة، في تصريح صحافي عقب لقائه إدريس، إنه "لن يدخر جهداً في عمله الرامي إلى جمع الشمل وتوحيد الرؤى والجهود نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً"، مشيراً إلى حرصه على مساعدة السودان لتجاوز التحديات الراهنة.
وأشارت وزارة الخارجية إلى أن سالم تناول مع لعمامرة الجهود التي يبذلها الأخير من أجل تحقيق السلام في السودان. وذكرت الخارجية السودانية في بيان أن سالم أكد للمبعوث الأممي حرص حكومة بلاده على تحقيق السلام، مؤكداً أن خريطة الطريق التي سلمت إلى الأمم المتحدة خلال مارس (آذار) تعد المرجع الرئيس للمضي قدماً، باعتبارها مستمدة من تطلعات الشعب السوداني.
ونصت الخريطة على وقف إطلاق النار تزامناً مع انسحاب "الدعم السريع" من الخرطوم وولايات كردفان ومدينة الفاشر في شمال دارفور على أن تتجمع قواته في مناطق بدارفور تقبل بوجودها خلال 10 أيام. ووضعت الخريطة ثلاثة أشهر لعودة النازحين ودخول الإغاثة، تعقبها استعادة خدمات المياه والكهرباء والصحة والتعليم خلال فترة ستة أشهر، بعدها يحدث تفاوض حول مستقبل "الدعم السريع" وتشكيل حكومة مستقلة، وإطلاق حوار سوداني - سوداني شامل داخل البلاد برعاية الأمم المتحدة. ووصل لعمامرة إلى بورتسودان بعد زيارة إلى العاصمة الكينية نيروبي، عقد خلالها لقاءات مع التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود"، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، وتحالف "تأسيس" الذي تهيمن عليه قوات "الدعم السريع".
إجراءات احادية
تعليقاً على العقوبات الأميركية التي طاولت رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، وكتيبة البراء بن مالك المساندة للجيش السوداني، أكدت الحكومة السودانية أن هذه العقوبات لا تساعد في تحقيق السلام في البلاد. وقالت وزارة الخارجية في بيان إن "مثل هذه الإجراءات الأحادية لا تساعد في تحقيق الغايات المنشودة في بيان الخزانة من تحقيق للسلام في السودان والمحافظة على السلم والأمن الدوليين"، مؤكدة أن أفضل الطرق لمعالجة الأزمات يعتمد في الأساس على الانخراط المباشر وعدم الاعتماد على افتراضات تروج لها بعض الجهات التي تحمل أجندة سياسية خاصة لا تخدم المصالح العليا للشعب السوداني.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية في الـ12 من سبتمبر الجاري عقوبات على جبريل إبراهيم، وكتيبة البراء بن مالك المحسوبة على التيار الإسلامي، بعدما اتهمتهما بالتورط في تغذية الصراع المسلح الذي يعانيه السودان وإقامة علاقات مع دولة إيران. وتقاتل قوات حركة العدل والمساواة بقيادة إبراهيم، وكتيبة البراء بن مالك، بجانب الجيش في حربه ضد "الدعم السريع".