تجددت الاشتباكات بين قوات الحكومة السورية ومقاتلين دروز محليين في مدينة السويداء بجنوب سوريا صباح اليوم الأربعاء، بعد ساعات من إعلان وقف لإطلاق النار، بينما أعلنت وزارة الدفاع السورية أن "مجموعات خارجة عن القانون أطلقت النار على قوات الأمن في السويداء والقوات ترد".وذكر موقع "السويداء 24" المحلي للأنباء إن المدينة والقرى المجاورة تعرضت لقصف كثيف بالمدفعية وقذائف المورتر صباح الأربعاء.
كاتس يهدد
في المقابل قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأربعاء أن على الحكومة السورية أن تدع الدروز وشأنهم وأن تسحب قواتها من مدينة السويداء. وأضاف كاتس في بيان صادر عن مكتبه "يجب على النظام السوري أن يترك الدروز في السويداء وشأنهم، وأن يسحب قواته" منها. وأضاف "كما أوضحنا وحذرنا سابقاً - إسرائيل لن تتخلى عن الدروز في سوريا، وستُنفّذ سياسة نزع السلاح التي قررناها".وهدد بالقول "سيواصل جيش الدفاع الإسرائيلي مهاجمة قوات النظام حتى انسحابها من المنطقة - وسيُرفع قريباً مستوى الردود ضد النظام إذا لم يتم استيعاب الرسالة".
وأفاد مراسل "اندبندنت عربية" في وقت سابق الأربعاء بأن اشتباكات متقطعة ما زالت تدور بين الجيش السوري والجماعات المسلحة في جنوب غربي محافظة السويداء، وتحديداً في قرى الثعلة ومجيمر وعرى ورساس، بينما جرى تمشيط قرابة 80 في المئة من مدينة السويداء (مركز المحافظة) وبعض الأحياء الجنوبية.وتوقف القصف الإسرائيلي عند الساعة 3:00 فجراً بالتوقيت المحلي، وبعدها لم يشهد الجنوب السوري أي تحرك إسرائيلي.
من جهته أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بارتفاع حصيلة أعمال العنف في محافظة السويداء الى 248 قتيلاً، منذ اندلاع الاشتباكات يوم الأحد بين فصائل درزية ومسلحين من البدو، وانتشار القوات الحكومية داخل المحافظة على إثر ذلك.
وأحصى المرصد منذ اندلاع الاشتباكات الأحد، مقتل 64 مسلحاً درزياً إضافة الى 28 مدنياً، 21 منهم قتلوا "بإعدامات ميدانية برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية"، مقابل 138 قتيلاً من عناصر وزارتي الدفاع والأمن العام و18 مسلحاً من البدو.
طلب ترمب من إسرائيل
وذكر موقع "أكسيوس" الإخباري الثلاثاء، نقلاً عن مسؤول أميركي، أن إدارة الرئيس دونالد ترمب طلبت من إسرائيل التوقف عن مهاجمة قوات الجيش السوري في جنوب البلاد، وذكر مراسل "أكسيوس" باراك رافيد في منشور على منصة "إكس"، نقلاً عن المسؤول، أن إسرائيل أبلغت الأميركيين بأنها ستوقف الهجمات مساء الثلاثاء.
تعهد المحاسبة
كلف الرئيس السوري أحمد الشرع الثلاثاء الجهات الرقابية باتخاذ الإجراءات الفورية في حق كل من ارتكب أي تجاوز أو إساءة، مهما كانت رتبته أو موقعه في أحداث مدينة السويداء.
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن رئاسة الجمهورية قولها في بيان، "انطلاقاً من حرص الدولة على صون الحقوق وحقن الدماء وسيادة القانون وضمان انتظام مؤسساتها، تؤكد رئاسة الجمهورية على ضرورة التزام الجهات كافة العامة والخاصة المدنية والعسكرية بمنع أي شكل من أشكال التجاوز أو الانتهاك تحت أي مبرر كان".
تدخل أميركي
من جانبه، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك إن الاشتباكات الأخيرة في جنوب سوريا "مقلقة"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن العمل جار من أجل "التهدئة".
وذكر باراك في منشور على منصة "إكس"، "نحن على تواصل بصورة فاعلة مع جميع المكونات في سوريا بهدف التوجه نحو التهدئة"، مضيفاً أن "الاشتباكات الأخيرة في السويداء مقلقة لجميع الأطراف، ونحن نحاول الوصول إلى نتيجة سلمية وشاملة للدروز والقبائل البدوية والحكومة السورية والقوات الإسرائيلية".
مسؤولية إسرائيلية
حملت وزارة الخارجية السورية الثلاثاء إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الهجمات الأحدث على جنوب سوريا وتبعاتها، وأكدت الوزارة في بيان أنها "حريصة على حماية جميع أبنائها من دون استثناء، وفي مقدمهم أهلنا من أبناء الطائفة الدرزية".
وشنت إسرائيل غارات جوية على قوات الحكومة السورية في جنوب غربي سوريا لليوم الثاني على التوالي، متعهدة بالحفاظ على المنطقة منزوعة السلاح وحماية الأقلية الدرزية.
وشهدت السويداء اشتباكات في أحياء عدة وقصفاً إسرائيلياً، فيما أعلنت وزارة الدفاع البدء بسحب الآليات الثقيلة منها وانتشار قوى الأمن الداخلي والشرطة العسكرية في المنطقة لضبط الأمن.
21 قتيلاً ميدانياً
في الأثناء، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء بمقتل 21 مدنياً درزياً بعمليات "إعدام ميدانية" نفذتها قوات الأمن السورية في السويداء، بينهم 12 في مضافة لإحدى العائلات، فضلاً عن تنفيذ عمليات تخريب ممنهجة طاولت منازل وممتلكات للمدنيين.
ودخلت القوات السورية المدينة الواقعة في جنوب البلاد وأعلنت وقف إطلاق النار فيها، بعد مقتل أكثر من عشرات الأشخاص باشتباكات عنيفة بين مسلحين من الدروز وآخرين من البدو اندلعت في المحافظة يوم الأحد.
وقال المرصد، "أقدم عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية على تنفيذ إعدامات ميدانية طاولت 12 مدنياً دزرياً، عقب اقتحام مضافة آل رضوان في مدينة السويداء".
وأظهر مقطع مصور انتشر على منصات التواصل الاجتماعي 10 أشخاص في الأقل يرتدون ملابس مدنية مضرجين بالدماء داخل المضافة، طرح بعضهم أرضاً وبعضهم الآخر على أرائك، وإلى جانبهم صور لمشايخ دروز ملقاة على الأرض وأثاث مخرب ومبعثر.
وأفاد المرصد كذلك بإعدام مجموعة مسلحة، قال إنها تابعة للقوات الحكومية لـ"أربعة مدنيين دروز بينهم امرأة في مضافة آل مظلومة بقرية الثعلة" في ريف السويداء.
وبحسب المرصد كذلك، أطلقت "مجموعة مسلحة تابعة لدوريات الأمن العام، النار بصورة مباشرة على ثلاثة أشقاء قرب دوار الباشا شمال مدينة السويداء، أثناء وجودهم برفقة والدتهم التي شاهدت لحظة إعدامهم ميدانياً".
ولم يصدر تعليق من السلطات بعد على هذه الاتهامات.
الضربات الإسرائيلية
مع دخول القوات السورية إلى السويداء، شنت إسرائيل غارات عليها وتعهدت بإبقاء المنطقة منزوعة السلاح وحماية الأقلية الدرزية مع استمرار الاشتباكات الدامية في المنطقة.
كما استهدف القصف الإسرائيلي الثلاثاء مرتين أطراف مدينة إزرع بريف درعا، بحسب الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا).
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس إنهما أمرا الجيش الإسرائيلي بضرب القوات السورية والأسلحة التي تنقل إلى السويداء لاستخدامها ضد الدروز.
وأضافا خلال بيان أن نشر القوات السورية يعد انتهاكاً لسياسة نزع السلاح التي دعيت دمشق بموجبها إلى الامتناع عن نقل قوات وأسلحة إلى جنوب سوريا، لأن ذلك يشكل تهديداً لإسرائيل.
وقالا "إسرائيل ملتزمة منع تعرض الدروز في سوريا للأذى انطلاقاً من تحالف الأخوة العميق مع مواطنينا الدروز في إسرائيل"، وأضافا "نعمل على منع النظام السوري من إلحاق الأذى بهم، ولضمان نزع السلاح من المنطقة المجاورة لحدودنا مع سوريا".
وبعد ظهر الثلاثاء، ذكر الجيش الإسرائيلي أن عشرات الإسرائيليين عبروا إلى سوريا من قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، موضحاً أنه يعمل على ضمان عودتهم بسلام.
"هجوم بربري"
ويشكل تصاعد العنف تحدياً لحكومة الرئيس أحمد الشرع التي وصلت إلى الحكم بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وتسعى إلى إخضاع جميع الأراضي السورية لحكم مركزي بعد ما يقارب 14 عاماً من الحرب التي قسمت البلاد إلى جيوب منفصلة.
وعلى رغم تلقي الشرع دعماً من التحسن السريع في العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سلط العنف الضوء على استمرار التوتر الطائفي وانعدام ثقة الأقليات بالحكومة الذي زاد بعد عمليات قتل جماعي لعلويين في مارس (آذار) الماضي.
وشنت إسرائيل غارات على سوريا مرات عدة بدعوى حماية الدروز، وجاءت أحدث هجماتها بعدما أصدر الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري بياناً مسجلاً اتهم فيه القوات السورية بانتهاك وقف إطلاق النار، وحث المقاتلين على مواجهة ما وصفه بـ"الهجوم البربري".
وأصدر وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة بياناً بعد ذلك أعلن خلاله وقفاً تاماً لإطلاق النار، وأكد أن القوات الحكومية لن تطلق النار إلا إذا أطلق عليها.
ونقلت "سانا" عن أبو قصرة قوله، "وجهنا ببدء انتشار قوات الشرطة العسكرية داخل مدينة السويداء لضبط السلوك العسكري ومحاسبة المتجاوزين".
وشاهد مراسل "رويترز" رجالاً يرتدون زياً عسكرياً يحرقون وينهبون منازل ومتاجر، ويضرمون النار في متجر خمور.
"تحالف الأخوة العميق"
واندلعت الاشتباكات في محافظة السويداء الأحد بين جماعات مسلحة درزية ومقاتلين بدو، مما أسفر عن مقتل عشرات ونزوح الآلاف.
وقالت القيادة الروحية الدرزية في بيان مكتوب إنها ستسمح للقوات السورية بدخول مدينة السويداء لوقف أعمال العنف، داعية الجماعات المسلحة إلى تسليم أسلحتها والتعاون مع القوات.
لكن بعد ساعات، قال الهجري، المعارض بشدة للقيادة الجديدة في دمشق، إن البيان "فرض" عليهم من دمشق، وإن القوات السورية خرقت الاتفاق بمواصلة إطلاق النار على السكان.
وقال في بيان مصور، "نحن نتعرض لحرب إبادة شاملة"، وناشد جميع الدروز "التصدي لهذه الحملة البربرية بكل الوسائل المتاحة".