• الساعة الآن 10:09 PM
  • 22℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

ترامب يهاجم محاكمة نتنياهو

news-details

في خضم تداعيات الضربة العسكرية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة على إيران، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة من الجدل السياسي والقانوني داخل إسرائيل، بعدما دعا علناً إلى إلغاء محاكمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أو منحه عفواً فورياً، واصفاً إياه بأنه "بطل حربي" يستحق التكريم لا المحاكمة.

وفي سياق متصل، تقدم رئيس الحكومة الإسرائيليبطلب رسمي للمحكمة المركزية في القدس لتأجيل جلسات محاكمته، التي تُعقد ثلاث مرات أسبوعياً، لمدة أسبوعين، متذرعاً بانشغاله بملفات "سياسية وأمنية حساسة" على رأسها الملف الإيراني والوضع في قطاع غزة.

غير أن المحكمة رفضت طلبه مرتين، معتبرة أن المبررات "غير كافية" لتأجيل الجلسات، وأصرت على مواصلة الإجراءات القضائية دون تغيير في الجدول الزمني المحدد مسبقا.

العفو الرئاسي في إسرائيل: قواعد صارمة وحدود سياسية

دعوة ترامب أثارت تساؤلات قانونية حول إمكانية منح رئيس حكومة على رأس عمله عفواً رئاسياً، فبحسب القانون الإسرائيلي، لا يمكن للرئيس أن يمنح العفو إلا بطلب مباشر من الشخص المعني، وبعد التشاور مع النيابة العامة ووزارة العدل، كما أن العفو لا يُمنح عادة إذا ثبتت في القضية صفة "العار الأخلاقي" التي تمنع صاحبها من تولي المناصب العامة.

الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، وفي تصريحات نادرة، أبدى انفتاحاً على فكرة التوصل إلى تسوية شاملة، مشيراً إلى أن أكثر من 90 في المئة من القضايا الجنائية في إسرائيل تنتهي عبر صفقة ادعاء.

وقد دعا هرتسوغ إلى "حوار مسؤول" بين السلطات القضائية والسياسية للوصول إلى حل توافقي، ولكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة احترام استقلال القضاء وسيادة القانون.

بين الدعم والرفض: انقسام إسرائيلي حاد

أحدثت تصريحات ترامب صدمة في الأوساط السياسية، وانقسمت ردود الفعل في إسرائيل بين من رأى فيها تعبيراً عن "شعور شعبي عميق" بضرورة إنهاء المحاكمة، وبين من اتهم ترامب بالتدخل الفج في شؤون دولة ذات سيادة.

في أوساط الحكومة، سارع العديد من الوزراء إلى تأييد دعوة ترامب، واعتبر وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهار أن "الوقت قد حان لإنهاء الظلم اللاحق بنتنياهو"، واصفاً المحاكمة بأنها "مطاردة شخصية بلا أساس قانوني".

أما وزير الخارجية جدعون ساعر، فأشار إلى أن المحاكمة استغرقت أكثر من خمس سنوات، وأن الاستمرار فيها يخدم منطق "الاضطهاد القانوني" أكثر مما يخدم العدالة.

كذلك، رأى رئيس لجنة الدستور في الكنيست، سمحا روتمان، أن المحاكمة تعكس صورة مشوهة للقضاء الإسرائيلي، واصفاً الاتهامات بأنها "مفبركة وبعيدة عن الواقع"، ولكنه في الوقت نفسه شدد على أن الرئيس الأمريكي ليس مخولاً بالتدخل في النظام القضائي لدولة أخرى، داعياً إلى حل "يليق بدولة ذات مؤسسات مستقلة".

في المقابل، وجدت التصريحات معارضة شديدة من قبل أطراف المعارضة، حيث اعتبر زعيم المعارضة السابق يائير لابيد أن تدخل ترامب "غير مقبول على الإطلاق"، وأنه يشكل مساساً بسيادة القضاء الإسرائيلي.

أما النائبة ناعما لازيمي، فرأت في تصريحات ترامب "دليلاً جديداً على أن نتنياهو لم يعد يثق بمؤسسات دولته"، معتبرة أن طلب الدعم من زعيم أجنبي هو بحد ذاته "إدانة سياسية وأخلاقية".

اللافت أن رئيس المحكمة العليا المتقاعد، أهارون باراك، دخل على خط النقاش، معلناً دعمه لأي خطوة تفضي إلى إنهاء محاكمة نتنياهو، سواء كانت عفواً أو صفقة ادعاء، وقال إنه لا يفهم سبب تعثر هذه المبادرات.

وتشير تقارير صحفية إلى أن باراك عرض الوساطة فعلياً بين الأطراف للوصول إلى تسوية، إلا أن محاميي نتنياهو رفضوا طرحه، بسبب اشتراطه خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل إسقاط التهم عنه.

بين السياسة والقضاء، هل نحن أمام صفقة شاملة؟

تعكس هذه التطورات معركة مزدوجة يخوضها نتنياهو: داخل المحكمة وداخل المؤسسة السياسية. فبينما يواجه اتهامات بالفساد في قضايا الهدايا والرشى، يُنظر إليه أيضاً كمهندس للهجوم على إيران، والشريك الرئيسي في خطة أمريكية واسعة لإنهاء الحرب في غزة وتوسيع دائرة اتفاقيات أبراهام.

في هذا السياق، يرى محللون أن تصريحات ترامب لم تكن مجرد دعم عاطفي لصديق، بل جزءاً من محاولة استراتيجية لإزاحة العائق القضائي عن طريق نتنياهو، تمهيداً لدفع خطة سلام إقليمية تشمل إنهاء الحرب مقابل تسوية شاملة مع حماس، وإشراك دول عربية في إدارة غزة، وفتح باب التطبيع مع السعودية.

كشفت صحيفة يسرائيل هيوم عن وجود خطة في المقابل لإنهاء الحرب في غزة والإفراج عن المحتجزين وتسوية تطبيع مع دول مختلفة من بينها السعودية وسوريا.

ترامب وبحسب مراقبين يعلم جيدا بأن نتنياهو يتمسك بحكومته التي ستمنعه من إيقاف الحرب في غزة أو توقيع اتفاق تطبيع مع السعودية بسبب إمكانية اتخاذ مسار حل الدولتين مع الفلسطينيين، وأن هذا المانع يرتبط كثيرا بخشية نتنياهو من سقوط الحكومة وفقدان حصانته البرلمانية، لذلك يعتقد أن تقديم العفو لنتنياهو سيعطيه مساحة سياسية داخلية أكبر للذهاب في مشروع الرئيس الأمريكي للمنطقة.

بيد أن نتنياهو قد يصر على براءته ويستمر في جلسات المحاكمة حتى صدور الحكم النهائي فهو لايزال يعتقد بأنه سيستطيع تفنيد التهم الموجهة ضده بينما يعتبر آخرون بأن ما قُدم ضده من تهم فساد قد يقوده للسجن بشكل شبه حتمي.

خلاصة المشهد: عدالة مؤجلة أم تسوية كبرى؟

وسط ضغوط داخلية متزايدة، وأخرى خارجية من حلفاء كبار مثل ترامب، يجد نتنياهو نفسه عند مفترق طرق. فهل يواصل المواجهة القضائية حتى النهاية؟ أم يسلك طريق التسوية السياسية تحت غطاء العفو؟

في الحالتين، يبدو أن ما يجري اليوم يتجاوز مصير رجل واحد، ويمس مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل ومستقبل اتفاقات تطبيع وحلول سياسية واستراتيجية معقدة.

شارك الخبر: