خاص - النقار |
في القرن التاسع عشر، كانت الدولة العثمانية تُدير إمبراطورية مترامية الأطراف بعقلية القرون الوسطى، فسقطت تحت وطأة تحديات الحداثة، بينما نجت اليابان – رغم عزلة تاريخية أطول – لأنها أدركت أن البقاء للأكثر مرونة. اليوم، نرى هذا السيناريو يتكرر إقليميًا: دول الخليج تعيد تشكيل هوياتها الاقتصادية، بينما نحن نتمسك بخطابٍ يرفض حتى محاسبة الذات.
اليمن لم يخسر الحرب مع أحد؛ بل خسر معركته مع نفسه. حين تُحاصر الشعوبُ نفسَها بأوهام الانتصار الوهمي، وتُحوِّل الهزائم إلى ملاحم بطولية، فإنها تكرّس ثقافة الهزيمة. "ما لجرح بميت إيلام".. نرددها لنسكّن آلامنا، وننسى أن الميت هنا هو وطنٌ تحوّل إلى جثةٍ سياسية بفعل فشلٍ منهجي: إدارة لا تُصلح، واقتصادٌ ينهار يفتك به التضخم، وهويةٌ يمنية تُذاب في بوتقة لا تمت لوجدان الشعب بصلة.
ليست العزلة الجغرافية هي الأقسى، بل عزلة العقل عن روح العصر، فبينما تنفتح الدول نحو شراكاتٍ تجعلها مراكز إقليمية، تُغلق صنعاء أبوابها على شعبٍ يُمنع حتى من الحنين إلى ماضيه، جيلٌ يفقد انتماءه لليمن الذي كان، ولا يستطيع الانتماء إلى ما أصبح.
هل نستحق الحياة؟ الإجابة ليست في قدرة العالم على إنقاذنا، بل في جرأتنا على مواجهة مرآة الذات. ربما آن الأوان لنعيد اكتشاف معنى "الوطن"، قبل أن يصبح اليمن ذكرى يُستشهد بها كمثالٍ على كيف تدفن الأمم نفسها بنفسها.