• الساعة الآن 05:42 PM
  • 26℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

سياج العزلة: عقد من الحكم صنع جدارًا بين الجماعة والمجتمع

news-details

 


النقّار – خاص
مرّ عقدٌ من الزمن على وصول جماعة أنصار الله إلى الحكم، لكن الزمن لم يكن كفيلاً بكسر انغلاقها، بل زاد من عزلتها. طوال عشر سنوات، وضعت الجماعة سياجًا حول نفسها، تدريجيًا، حتى تحوّل إلى جدار صلدٍ يفصلها عن المجتمع.

في البداية، استدرجت الجماعة الشارع بخطاب خَدَمي وشعارات حقوقية. لكن مع مرور الوقت، تلاشى ذلك الخطاب، وحلّت محلّه لغة التعبئة والتحشيد والولاء. انكفأت السلطة في صنعاء على نفسها، وبدلاً من أن تندمج بالمجتمع، طوّقته وبدأت بتفكيكه.

حلفاء الأمس صاروا خصوماً. من قاتل معها سُجن، ومن نجا وجد نفسه يواجه الجوع والتهديد. حتى البسطاء، الذين وُعدوا بالعدالة، اكتشفوا أنهم فقط وقود لتمكين عائلات محددة استحوذت على الوظائف، وحتى على عقال الحارات.

يقول مدير مدرسة سابق أقصي من منصبه في صنعاء لصالح أحد عناصر الجماعة:
“المناصب لهم، والفقر لنا.”

الجماعة لم تكتفِ بالسيطرة على مؤسسات الدولة العليا، بل نزلت إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية.
غيّرت عُقال الحارات، أزاحت مديري المدارس، وعيّنت أمناء شرعيين من سلالات محددة، لتضمن أن تكون كل مفاصل المجتمع تحت قبضتها.

لم تكن المسألة مسألة كفاءة أو نزاهة، بل ولاء.
كل من لا ينتمي للجماعة أو لا يُبدي خضوعًا تامًا، يُقصى أو يُهمّش.
هكذا تحوّلت الدولة إلى مؤسسة مغلقة، تعمل لصالح جماعة، لا لصالح شعب.

في نظر كثيرين، استخدمت الجماعة خطابًا دينيًا لتبرير هذه السيطرة، زاعمة أن وجودها “تمكين إلهي”، ما يعني عمليًا أنها ترى نفسها فوق أي التزام أخلاقي تجاه الناس.

رغم امتلاك الجماعة ثماني قنوات فضائية، وإذاعات متعددة، وما يقرب من 30 موقعًا إلكترونيًا، وآلاف الحسابات على مواقع التواصل…
إلا أن الخطاب الإعلامي الذي تقدمه ما يزال سجينًا لحظة الحرب، بل إنه أكثر انغلاقًا من ذي قبل.

المواد الإعلامية لا تخلو من التبجيل المبالغ فيه لزعيم الجماعة، ولا تتناول قضايا الناس، ولا توفّر مساحة حوار أو تنوع.
حتى المواد الترفيهية – إن وُجدت – لا تنتمي للناس، بل تُعيد إنتاج خطاب الجماعة بلغة الزوامل الحربية.
الفلكلور، الأغنية اليمنية، الهمّ المعيشي… كلها غائبة.

إعلام الجماعة لا يرى الناس، ولا يسمعهم، ولا يخاطبهم.

رمضان، الذي كان موسمًا تتنفس فيه الناس قليلًا من وجعها، لم تسهم فيه قنوات الجماعة بأي حضور يُذكر.
الدراما التي بثتها كانت مكرّسة لتعظيم الاستخبارات، وتضخيم “اليقظة الأمنية”، وكأن الشاشة مجرّد نشرة عسكرية مطوّلة.

يقول عبد الرحمن الحيمي، المقيم في صنعاء، إنه تابع خلال رمضان مسلسلين على قناتي السعيدة والمهرية عبر يوتيوب، ولم يسمع بأي مسلسل أنتجته قنوات الجماعة، رغم أن كثيرًا من جيرانه يقاتلون في صفوفها.

أما أمل ناصر، التي تتنقل بين صنعاء وإب، فأشارت إلى أنها شاهدت مسلسلًا على قناة المسيرة، لكن اهتمامها به كان ثانويًا، لأنه يناقش قضايا بعيدة عن واقع الناس، ويُسخّر أي مشكلة اجتماعية في اتجاه دعائي.

ويؤكد يحيى النوار أن الجدل الرمضاني في وسائل التواصل خلا تمامًا من مسلسلات قنوات الجماعة، معتبرًا هذا غيابًا صريحًا عن اهتمامات الناس، واستفتاءً عمليًا على فشل إعلامها في مخاطبة الشارع.

في الوقت الذي كانت فيه القنوات الأخرى تعرض برامج مسابقاتية، ومسلسلات اجتماعية أو فكاهية، كانت قنوات الجماعة تعرض مواعظ زعيمها، التي لا تختلف كثيرًا عن خطبة الجمعة.

بعد عشر سنوات من حكم الجماعة، بات واضحًا أن العزلة لم تعد مجرد حالة سياسية، بل أصبحت أسلوب حياة.
سلطة صنعاء تبتعد أكثر عن الناس، تدير شؤونها على هواها، وتستمر في إغلاق الأبواب أمام من يطلب التغيير أو يطالب بالحريات.

الجماعة لم تقدم للناس سوى الحروب والمواعظ، أما هموم المواطن فظلت خارج حساباتها.
الإعلام، الدراما، التعليم، حتى الشوارع… كلها أصبحت مجرد أدوات لإعادة تأكيد سلطتها، لا أكثر.

ولكن في النهاية، مهما كانت وسائلهم، فإن العزلة لا تدوم طويلاً.
في النهاية، الشعب لا يمكنه البقاء بعيدًا عن الحقيقة، ولا عن تطلعاته التي لن تُمحى.

شارك الخبر: