النقار - خاص
“تعز الشرقية”، هكذا أصبحت تُعرف، تمييزًا عن تعز المدينة، بعد تقسيم المدينة الواحدة بين طرفي الصراع.
تخضع تعز الشرقية لسيطرة الحوثيين، وتتمثل في حي الحوبان، المدخل الشرقي لمدينة تعز وامتداداته في عدة جهات، والذي يمثل نواة حضرية لمدينة تعز الجديدة، لتوفر مقومات التوسع الحضري، باعتبار تمدده على أراضٍ أقل تعقيدًا من الناحية الطبوغرافية.
منذ العام 2017، بدأت حمى الأراضي تلتهم مساحات واسعة من حي الحوبان، وبدأ التوسع العمراني يتمدد في اتجاهات مختلفة بعيدًا عن المخطط الحضري.
خضعت أسعار الأرض في الحوبان للمضاربات، ما رفع سعرها إلى أرقام مهولة خلال عامي 2017 و2018، ما شجع الكثيرين على البيع والشراء، غير مدركين أن أيادي خفية تسعى لتملك مساحات واسعة من الأراضي، ليس للتحكم بقيمة الأرض، وإنما لإحداث تغييرات مستقبلية، ليس في تملك العقارات، بل تغييرا ديمغرافيا مستقبلي.
وتفيد معلومات حصل عليها “النقار” أنه خلال العامين 2017 و2018، اشترى مشتغلون بالعقارات مساحات واسعة من الأراضي في مناطق اختيرت بدقة في عدة حارات بحي الحوبان ومحيطه الريفي. وتركز الشراء في محيط حديقة التعاون، التي غير الحوثيون اسمها إلى حديقة 21 سبتمبر، والتلال الواقعة على جانبي الطريق الممتد من جولة القصر وحتى طريق الراهدة، ومنها شمالًا باتجاه مدينة القاعدة، وجنوبًا إلى نقيل الإبل.
يقول المواطن محمد المهيوب لـ”النقار”: كان لدي أرض شبه جبلية خلف حديقة التعاون، ومنذ 2017 تلقيت عروضًا للبيع، فبعتها بسعر مجزٍ منتصف 2018 لشخص قيل إنه مغترب عن طريق وكيل. ويضيف: تفاجأت بعد أشهر بتحويشها من قبل آخرين يحضرون على متن أطقم، لتصبح اليوم مسكونة بثلاث أسر.
وتفيد مصادر محلية أن حارات تعز الشرقية باتت مقسمة إلى مربعات أمنية، يشرف عليها من يسمونهم بـ”المجاهدين”، وأغلبهم من خارج المحافظة، وأكثريتهم من حجة. وأكدت المصادر لـ”النقار” أن تلك الحارات نقلت إليها كثير من أسر “المجاهدين”، وصار بعضهم يتولون النظر في النزاعات بعيدًا عن القضاء وأقسام الشرطة، ومنها يجنون مبالغ مالية طائلة تحت مسمى التحكيم.
يقول مصدران على اطلاع واسع بالجانب التخطيطي لـ”النقار” إن مخطط المدينة يتعرض لانتهاكات جسيمة، وسط صمت مكتب التخطيط الحضري والسلطة المحلية. مشيرًا إلى أن عملية فتح العديد من الشوارع في القطاعين السادس والسابع لم تكن بهدف الاستجابة للتوسع الحضري، وإنما لرفع سعر الأرض لإقناع الملاك بالبيع، لصالح مشترين مرتبطين بمشرفي الجماعة وقادتها العسكريين. ويؤكد أحد المصدرين أن أراضي واسعة على جانبي الشوارع الترابية التي شُقت مؤخرًا اشتراها مشرفون وقادة عسكريون عن طريق سعاة بالوكالة عن آخرين يدّعون أنهم مغتربون وتجار، ثم تغيرت عقود البيع بأسمائهم أو بأسماء أقارب لهم.
ويفيد مصدر مطلع أن المساحات الواقعة على جانبي شارع الستين والطريق الممتد من مفرق الراهدة وحتى نقيل الإبل، والتي تُعد جزءًا من حرم الطريق، تم تقسيمها إلى مساحات طويلة، ومنح كل مساحة لشخص يقوم بتأجيرها، وتقاسم العائد مع مشرفين وعسكريين.
وكشف لـ”النقار” مصدر أهلي أن إغراءات تُقدَّم لمالكي الأراضي في منطقة المنشور لبيع أراضٍ تقع على الطريق العام، وأخرى في محيط معسكر الدفاع الجوي، وبعضها على التلال المشرفة على الطريق العام. لكن مصدرًا ثانيًا أكد لـ”النقار” أن أسرًا قادمة من حجة وصعدة وبعض مناطق أرحب بصنعاء يتم تسكينها في مفرق ماوية والجند ومفرق الذكرة والرمدة والمنشور، وتتم عمليات شراء أراضٍ يُقال إنها لمغتربين، وتسكن بعض تلك الأسر في غرف داخلها باعتبارهم حراسًا.
ويفيد مواطن من سكان القرية المجاورة لمعسكر الجند، الذي كان تابعًا للحرس الجمهوري، رفض الإشارة إلى اسمه، أن كثيرًا من المنازل التي كان يقطنها عسكريون من الحرس تم شراؤها من قبل قادة عسكريين للجماعة منذ نهاية العام 2016.
بهذه الطريقة، تصبح تعز الشرقية مجرد معسكر مغلق، يتغير معه طابع المدينة ومستقبلها. فالمسألة لم تعد مجرد استثمارات عقارية أو توسع عمراني طبيعي، بل عملية مدروسة تهدف إلى إعادة تشكيل النسيج الاجتماعي والديمغرافي وفقًا لرؤية الجماعة الحاكمة. ومع تزايد هذه التغييرات، تطرح تساؤلات جوهرية: إلى أي مدى ستستمر عمليات إحلال السكان واستحواذ المشرفين على مفاصل المدينة؟ وكيف ستؤثر هذه التغييرات على مستقبل تعز وهويتها؟ وهل ستظل هذه التحولات مجرد تحركات صامتة، أم أنها ستؤدي إلى واقع جديد يغير معالم المدينة إلى الأبد؟