• الساعة الآن 10:12 PM
  • 18℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

ثلاثة أشهر على اختفاء السدعي.. مكتب الرزامي قلعة النفوذ والبطش

news-details

 

خاص - النقار
بدأت القصة كما تبدأ معظم النزاعات العائلية، بخلاف بين السدعي وأبناء عمه، كان يُنظر فيه أمام محكمة جنوب غرب الأمانة. ولأن القانون لا يزال – نظريًا – هو الفيصل، مضت القضية في مسارها القضائي. لكن في صنعاء، حين تكون الخصومة أمام من يمتلك النفوذ والسلاح، تصبح المحاكم مجرد إهدار للوقت والمال، بينما تُحسم القضايا في أماكن أخرى.
أُرسل إلى السدعي استدعاء من مكتب يحيى عبدالله الرزامي، عبر مندوبه سعيد حمد مجلي، الملقب بـ “أبو هايل”، طالبًا منه التوقيع على تحكيم عرفي وافق عليه أبناء عمه مسبقًا. لكن السدعي تمسك بحقه في التقاضي، ورفض الخضوع لهذا التحكيم.
لكن من يرفض “التحكيم”، في ظل سطوة الشعار، عليه أن يتحمل العواقب.
بينما كان السدعي متوجهًا إلى عمله بسيارته، اعترضته مجموعة مسلحة بقيادة “أبو هايل”، واقتادوه قسرًا دون مذكرة اعتقال أو أي غطاء قانوني، وكأنه مجرم خطير، بينما جريمته الوحيدة كانت رفض التحكيم.
نُقل إلى غرفة مؤقتة (كنتيرة) فوق تبة في منطقة بيت زبطان، حيث احتُجز لمدة عشرة أيام. لم يكن هناك استجواب، لم تكن هناك إجراءات، فقط احتجاز تعسفي كنوع من العقاب لمن يجرؤ على رفض أوامر الرزامي وأتباعه. وحين أُطلق سراحه أخيرًا، لم يكن ذلك بفعل القانون، بل تحت ضغط الشكاوى المتكررة، لكنه خرج مجردًا من ممتلكاته، إذ لم تُعد إليه سيارته أو متعلقاته الشخصية.
لم يستسلم السدعي، فهناك قانون، وهناك نيابة، وهناك جهات يُفترض أنها مسؤولة. تقدم بشكوى، فأصدرت النيابة مذكرة رسمية إلى شرطة حدة للتحقيق واستعادة ممتلكاته. لكن المذكرة لم تكن سوى حبر على ورق، إذ لم تحرّك الشرطة ساكنًا، وكأن القضية لا تعنيها، أو ربما تعنيها لكن لا قدرة لها على المواجهة.
وحين ضاقت به السبل، لم يجد السدعي أمامه سوى مكتب المفتش العام، المكان الذي يُفترض أنه الملجأ الأخير لمن ضاقت بهم الخيارات. توجه إلى هناك ليقدم شكواه، غير مدرك أنه دخل إلى المصيدة بقدميه.
لم تمضِ دقائق على دخوله حتى توقفت أمام المكتب سيارة مسلحة، لم يكن على متنها رجال دولة، بل رجال الرزامي نفسه، وكأنهم يملكون مفاتيح المؤسسات الرسمية. دخلوا المكتب بكل أريحية، لم يسألهم أحد عما يفعلونه، لم يعترضهم أحد، ببساطة، اختطفوا السدعي أمام المسؤولين، وأغلقوا هواتفه، واقتادوه إلى مكان مجهول، تمامًا كما حدث في المرة الأولى.
كان المشهد كافيًا ليختصر كل شيء: مكتب المفتش العام، الذي يُفترض أنه يمثل الرقابة والإنصاف، يتحول إلى مسرح اختطاف، حيث يُؤخذ المواطن من أمام المسؤولين، لا ليُحقق في قضيته، بل ليختفي عن الأنظار.
اليوم، بعد أكثر من شهرين ونصف، لا أحد يعرف شيئًا عن مصيره. لا عائلته، ولا أصدقاؤه، ولا الجهات التي يُفترض أنها مسؤولة عن حمايته. هل لا يزال على قيد الحياة؟ أم أنه مجرد رقم جديد في قائمة المختفين قسرًا؟
البرقيات لم تتوقف: وزير الداخلية، النائب العام، القضاء، رئاسة الوزراء… نداءات، استغاثات، تلميحات قانونية خجولة، لكن كل هذه الأوراق لا تزال مكانها، في أدراج المسؤولين، لأن من يسيطر على المشهد ليس القانون،بل النخبة المختارة  التي تستطيع أن تختطف  المواطنين من قلب المؤسسات الرسمية دون أن يجرؤ أحد على مساءلتها.
مشهد عبثي يختصر الواقع دولة داخل الدولة، وأخرى خارجها، وثالثة تحاول أن تصنع لنفسها مكانًا بين كل هذه الفوضى، تتحدث عن القوانين، وتحاول إقناع نفسها أنها لا تزال موجودة.
لكن الحقيقة الواضحة هي أن السدعي ليس إلا واحدًا من كثيرين، وأن العدالة حين تصبح رهينة بيد من يملكون السلاح، فإن الحديث عن الحقوق يبدأ بعد التأكد من ان النزاع لايمس دائرة المختارين.

شارك الخبر: