فؤاد محمد
في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف باليمن منذ سنوات، يبدو أن الفساد قد تسلل إلى مفاصل الدولة، بما في ذلك القضاء، الذي يُفترض أن يكون حامي الحقوق والضامن للعدالة. مؤخرا، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي والصحف المحلية حادثة صادمة تعكس مدى تدهور الوضع القضائي في البلاد، حيث قام قاضي يمني بلطم مواطن أمام الحاضرين في قاعة المحكمة، وهو فعل لا يليق بمنصب القاضي، ويُظهر بوضوح انعدام الاحترام للقانون ولحقوق المواطنين.
تفاصيل الحادثة
قبل أسبوع تقريبا، دخل مواطن يمني إلى محكمة جنوب غرب أمانة العاصمة الابتدائية، وكان يحمل معه قضية يطالب بالعدالة فيها. وبمجرد وقوفه أمام القاضي شمسان حزام علي الذيب، صرخ المواطن محتجا: "ما هذا الفساد في القضاء؟". بدلا من أن يتعامل القاضي مع الشكوى بشكل مهني وقانوني، قام بلطم المواطن أمام الحاضرين في القاعة، الذين كانوا يشهدون على هذا الفعل المشين.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قام العسكر المرافقون للقاضي بسحب المواطن إلى حجز المحكمة، وبعد دقائق أُعيد المواطن إلى القاعة ليُجبر على الاعتذار للقاضي!. هذا السلوك لا يعكس فقط انعدام العدالة، بل يؤكد أيضا أن الفساد قد أصبح جزءا من النظام القضائي، حيث يتم التعامل مع المواطنين بقوة السلطة بدلا من تطبيق القانون.
دلالات الحادثة
1- انعدام الاحترام للقانون:
القاضي الذي يُفترض أن يكون رمزا للعدالة والنزاهة، قام بانتهاك حقوق المواطن بشكل صارخ. هذا الفعل يُظهر أن بعض القضاة في اليمن لا يرون أنفسهم خاضعين للقانون، بل يعتبرون أنفسهم فوقه.
2- تأكيد اتهامات الفساد:
عندما قام القاضي بلطم المواطن، أكد بشكل غير مباشر صحة اتهامات المواطن بوجود فساد في القضاء. لو كان القاضي نزيها، لكان تعامل مع الشكوى بشكل قانوني، بدلا من اللجوء إلى العنف.
3- انعدام الثقة في القضاء:
مثل هذه الحوادث تؤدي إلى إنعدام ثقة المواطنين في النظام القضائي. إذا كان القاضي نفسه لا يحترم القانون، فكيف يمكن للمواطنين أن يثقوا بأنهم سيحصلون على العدالة؟.
4- استخدام القوة بدلا من القانون:
الحادثة تُظهر أن القوة أصبحت أداة للتعامل مع المواطنين، بدلا من تطبيق القانون. هذا يُعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان ويُعزز الشعور بالظلم بين المواطنين.
الخلفية الأوسع: الفساد في القضاء اليمني
اليمن الذي يعاني من حرب أهلية منذ سنوات، يشهد تدهورا في جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك القضاء. الفساد في القضاء اليمني ليس ظاهرة جديدة، ولكنه تفاقم في السنوات الأخيرة بسبب انعدام الرقابة وضعف الدولة المركزية. العديد من التقارير الدولية والمحلية تشير إلى أن القضاة في اليمن يتعرضون لضغوط سياسية ومالية، مما يؤثر على قراراتهم ويُضعف استقلالية القضاء
الآثار المترتبة على الفساد القضائي
1- تآكل سيادة القانون:
عندما يفقد القضاء مصداقيته، يفقد المواطنون الثقة في الدولة ككل. هذا يؤدي إلى انتشار الفوضى وزيادة العنف، حيث يلجأ المواطنون إلى حلول خارج إطار القانون لحل نزاعاتهم
2- انتهاك حقوق الإنسان:
الفساد القضائي يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، حيث يتم حرمان المواطنين من حقهم في محاكمة عادلة، ويتم التعامل معهم بعنف وقسوة
3- تأثير سلبي على التنمية:
الفساد في القضاء يعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يثبط الاستثمار ويُضعف ثقة المواطنين في الدولة.
الحلول الممكنة
1- إصلاح النظام القضائي:
يجب العمل على إصلاح النظام القضائي في اليمن من خلال تعزيز استقلالية القضاء وفرض رقابة صارمة على القضاة.
2- محاسبة الفاسدين:
يجب محاسبة القضاة الذين يثبت تورطهم في الفساد أو انتهاك حقوق المواطنين، وذلك لاستعادة ثقة المواطنين في القضاء
3- تعزيز الشفافية:
يجب تعزيز الشفافية في عمل المحاكم من خلال نشر القرارات القضائية وفتح الباب للمراقبة العامة
4- دعم المجتمع المدني:
يمكن للمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني أن يلعبوا دورا مهما في كشف الفساد ودعم المواطنين الذين يتعرضون لانتهاكات
5- إلغاء التعديل الأخير لقانون السلطة القضائية:
يجب إلغاء التعديل الأخير لقانون السلطة القضائية (الصادر في صنعاء) الذي يجيز تعيين قضاة من غير الخريجين من المعهد العالي للقضاء
خاتمة
حادثة لطم القاضي لمواطن في محكمة جنوب غرب أمانة العاصمة الابتدائية ليست مجرد حادثة فردية، بل هي مؤشر على أزمة عميقة في النظام القضائي اليمني.الفساد وانعدام الاحترام للقانون أصبحا سمة بارزة في العديد من المؤسسات اليمنية،مما يستدعي تدخلا عاجلا لإصلاح النظام القضائي واستعادة ثقة المواطنين في العدالة.بدون إصلاح حقيقي،سيستمر المواطنون في المعاناة من الظلم،وستتفاقم الأزمات التي تعصف بالبلاد